أماني أبو رحمة

المادية الجديدة: “العمل” الفني ومفهوم الفاعلية

من منظور ما بعد التمركز الأنثروبي

أماني أبو رحمة

المجلس الأعلى للشباب في السلطة الوطنية الفلسطينية/ رام الله.

amani.khalaf3@gmail.com

تاريخ الاستلام: 4/5/2023

تاريخ القبول: 24/5/2023

ملخص البحث:

أصبحت المادية كلمة رئيسية مهمة في الخطاب الفكري والثقافي اليوم، على الرغم من اختلاف التيارات المادية الجديدة، فإن هذه المواقف الفلسفية تقترح أن الفكر يمكن أن يفكر خارج نفسه، ويمكن معرفة الواقع من دون أن يتم تشكيله من قبل الفهم البشري أو لأجله. يتناقض هذا الموقف بشكل حاد مع النظرة الفلسفية والثقافية التي سادت على مدى نصف القرن الماضي، وهي وجهة نظر تؤكد على ضرورة التفسير والخطاب والنص والدلالة والأيديولوجيا والسلطة.

تتحدى المادية الجديدة اليوم بشكل صريح العديد من هذه الافتراضات السائدة حتى اليوم للممارسة الثقافية والبحث النظري. يشارك الفن في هذا التحدي بشكل فاعل وتقدم أعمال تندرج تحت مصطلح المادية الجديدة. يقدم الفن المادي مساحات لمجموعة الأفكار والممارسات والتحديات الناشئة والمتغيرة بسرعة التي تقترحها الماديات الجديدة المعاصرة، مما يعكس إعادة صياغة الفن والفلسفة والثقافة والنظرية والعلوم، من بين مجالات أخرى.

علاوة على ذلك، يسعى الفن جاهدًا لتوسيع آفاق وشروط التعامل مع المادة خارج السياق الفلسفي الأساسي الذي حدثت فيه التطورات الأخيرة. أدى توسيع مقترحات الفاعلية والقصدية لتشمل البشر وغير البشر، بل وحتى الكائنات غير الحية التي تطرحها المادية الجديدة إلى ظهور فن الأنواع المتعددة الذي سيتطلب حتمًا تغيرًا في مناحي النقد الفني ومفهوم الجماليات.

جاءت هذه الدراسة في جزأين، يعرض الأول إطاراً نظرياً يشرح بإيجاز مفهوم المادية الجديدة ويركز على مفاهيمها التي تتعلق بالعمل الفني مثل التأثر التبادلي والواقعية التفاعلية والحافة الفاعلية وما بعد الإنسانية النقدية والتشابك والمحايثة المادية. ثم يقدم الجزء الثاني تحليلًا نقديًا على وفق منهج الحيود لعدد من الأعمال التي عرضت في معرض ذاع صيته في حينه بعنوان (التأثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين، 2013).

تخلص هذه الدراسة إلى أن المادة نابضة بالحياة، وأن الأعمال الفنية فد تكون بشرية أو غير بشرية أو نتاج تعاون بينهما في توضيح جميل لكيفية عمل الفاعلية التي تتحرك من خلال مختلف الجهات ا­­­­­لفاعلة المشاركة في العملية الفنية، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة لمفاهيم الفن والفنان والعمل الفني والقصدية والجماليات، إذ تتجاوز السردية الإنسانية عن الفن، كما يتطلب تحولًا في النقد الفني بحيث يواكب المفاهيم الجديدة عن المادة في عصر التكنولوجيا الحيوية التي غيرت مفاهيمنا عن الحياة واللاحياة وما يشبه الحياة.

إنّ إفساح المجال لـ”للصمت المتكلم” أو التذمر غير المسموع لفاعلين غير معروفين جنبًا إلى جنب مع “احتمالات واستحالات الفهم” في إطار انتباهنا هو تدشين مأمول وهدف أساسي للجماليات ما بعد الإنسانية.

الكلمات المفتاحية: المادية الجديدة، المادية الأدائية، التأثر التبادلي، الواقعية التفاعلية، الحافة الفاعلة، المحايثة المادية، التشابك، ما بعد الإنسانية، الحيود، الانعكاس، جماليات الأنواع المتعددة، كارين باراد، روزي بريدوتي.

Abstract:

Materialisms have become an important word in intellectual and cultural discourse today. Despite their differences, these philosophical stances propose that thought can think outside itself, and that reality can be known without its being shaped by and for human comprehension. This position sharply contrasts with the philosophical and cultural view dominant over the last half century, a view that affirms the indispensability of interpretation, discourse, textuality, signification, ideology, and power. Today’s materialisms explicitly challenge many of these now prevalent assumptions of cultural practice and theoretical inquiry. Art actively participates in this challenge and presents works that fall under the term neo-materialism.

New materialism art provides spaces for the emerging and rapidly changing set of ideas, practices, and challenges proposed by contemporary materialisms, reflecting their nascent reworking of art, philosophy, culture, theory, and science, among other fields. Further, art strives to expand the horizons and terms of engagement with matter beyond the primarily philosophical context in which the recent developments have taken place.

The extension of the propositions of agency and intentionality to humans, non-humans, and even inanimate objects posed by the new materialism led to the emergence of Multispecies Art, which would inevitably require a change in the aspects of art criticism and the concept of aesthetics.

This article comes in two parts, the first presents a theoretical framework that briefly explains the concept of new materialism and focuses on proposed concepts related to artistic work such as intra-action, agential realism, agential cut, material immanence, post-humanism entanglement, and material immanence, Then the second part presents a critical analysis according to the diffraction approach of a number of works exhibited in (Intra-action: Multispecies becomings in the Anthropocene Art Exhibition for the Australian Animal Studies Group Conference 2013, University of Sydney).

This article concludes that the matter is vibrant and the artworks may be human, non-human, and product of cooperation between them in a beautiful illustration of how the agency works and moves through the various actors involved in the artistic process.

This requires a reformulation of the concepts of art, the artist, the artwork, intentionality, and aesthetics beyond the human narrative about art. It also requires a shift in art criticism to keep pace with the new concepts of matter in the age of biotechnology that have changed our understanding of life, non-life, and semi-life.

Keywords:New materialism, performative materialism, intra-action, agential realism, agential cut, material immanence, entanglement, post-humanism, diffraction, reflection, multispecies aesthetics, Karen Barad, Rosie Braidotti.

الفصل الاول

مشكلة البحث:

تعد (المادية) تقليدًا فلسفياً غنيًا يعود إلى العصور القديمة. بدأت مع أعمال ديموقريطس ولوكريتيوس، وتم تناولها وإعادة صياغتها في الفلسفة الحداثية في كتابات هوبز وسبينوزا وغيرهم، وازدهرت في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لا سيما بسبب إنجازات العلوم الطبيعية وظهور الماركسية. ولكنها تراجعت مع ظهور ما بعد البنيوية، التيار الفكري الفرنسي، الذي ساد منذ أواخر الستينيات الماضية مروجًا لنوع من المثالية اللغوية اختصت به ما بعد الحداثية. غير أن الأمر تغير، على الأقل في الأوساط الأكاديمية، منذ مطلع الألفية. أصبحت المادية فكراً محترماً وجديراً بالثقة وخطيراً، وحتى عصرياً. وقد لعبت “الأشياء” دوراً حاسماً في هذا التحول: تجذب المادة والتحف والكائنات اهتماماً علمياً بشكل متزايد وتجرى محاولات فهمها وادراكها انطلاقا من ماديتها ووجودها الملموس في عالم الواقع. تقدم المادية الجديدة طريقة شيقة للتفكير في الجوانب المادية للعمل الفني؛ مما يسمح لنا بإعادة صياغة مفاهيمنا حول الكائنات التي نسميها “فناً”. تعتبر المادة جزءاً لا يتجزأ من عملية صناعة الفن، لكن البحث في هذا المجال لم يتم استكشافه إلى حد كبير؛ ذلك أن المناقشات والاستكشافات لممارسة صناعة الفن تفترض أن الفنان و/ أو المتفرج هو العامل النشط الأساسي. تتساءل هذه الورقة كيف يمكن للصناعة الفنية والاستقصاء الفلسفي أن يوسعا الفهم الحالي لمفاهيم المادة والمادية في صناعة الفن، وتوظف، لذلك، النظريات المادية الجديدة للفيلسوفات الماديات: كارين باراد وروزي بريدوتي. إن الحوار بين الفلسفة والجماليات ليس شيئاً جديداً، ولكن الجديد هو الفنانون الذين يظهرون اهتماماً بفلسفة العلم الذي لا يتعامل صراحة مع الجماليات.

أهمية البحث:

 تعد مقاربة الفن بعدسة المادية الجديدة عملية شاقة تتطلب التخلي عن الأساليب المعتادة في التفكير في الفن بوصفه ممارسة تمثيلية في الغالب. لكن كيف تفكر في الفن وراء التمثيل؟ كيف نركز بعناية أكبر على البعد المادي للنشاط الفني؟ كيف نتجنب مثل هذه التحليلات الفنية التي تركز حصريًا على المعاني والدلالات؟ المادية الجديدة تخمر فلسفي مرتبط بنظرية وممارسة إنتاج المعرفة وتقدم وسائل لمقاربة الفن بطريقة مختلفة، بصفته عملية معقدة “خطابية- مادية تنخرط فيها الحواس والمعاني وتنبثق من عدد من العلاقات المتشابكة. نحن بحاجة إلى تحويل الانتباه بعيدًا عن الوظائف التمثيلية للفن فقط والتركيز على الإمكانات الإبداعية للفن فضلاً عن صيروراته المادية. والصيرورة عملاتية علائقية تؤثر وتتأثر دائمًا بالظواهر واللقاءات مع الأجساد والقوى الأخرى. وهذا يعني أن الفاعلية يجب أن تُفهم على أنها مشتتة داخل الظاهرة العلائقية المعقدة ولم يعد من الممكن تعريفها من حيث القصدية، أو أنها تنتمي حصريًا إلى البشر. البشر وغير البشر فاعلون بالقدر نفسه؛ مما يسمح لنا بالحديث عن جماليات الأنواع المتعددة في عصر ما بعد التمركز الأنثروبي.

هدف البحث:

يضع البحث هدفين رئيسيين وهما:

  1. التقديم النظري للماديات الجديدة عموماً مع التركيز على تيارين أساسيين يرى أن لهما علاقة وثيقة بالفن: المادية الأدائية لكارين باراد، وما بعد الإنسانية النقدية لروزي بريدوتي.
  2. تحليل الأعمال الفنية التي عُرضت في معرض (التآثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين)، معرض فني لمجموعة مؤتمر دراسات الحيوان الأسترالية، 2013، جامعة سيدني.) من منظور المادية الأدائية ونظرية ما بعد الإنسانية النقدية والتركيز على مفهوم جماليات الأنواع المتعددة الذي أولاه المعرض اهتماما خاصا.

حدود البحث

يتحدد البحث الحالي بالآتي:

الحدود الموضوعية:

دراسة الأعمال الفنية المعروضة في معرض (التآثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين)، من منظور فلسفة المادية الجديدة وجماليات الأنواع المتعددة وبتطبيق منهج الحيود الذي تقترحه هذه الفلسفة.

الحدود الزمانية والمكانية:

تطورت فلسفة المادية الجديدة في الألفية الثالثة؛ لذلك فإن الحدود الزمانية للبحث هي الحقبة المعاصرة التي يطلق عليها (بعد ما بعد الحداثية)، أما المكان فهو المعرض الفني لمجموعة مؤتمر دراسات الحيوان الأسترالية، 2013، جامعة سيدني.

المصطلحات:

وردت في البحث المصطلحات الآتية:

المادية الجديدة: صاغ مانويل ديلاندا وروزي برايدوتي- بشكل مستقل عن بعضهما بعض– مصطلحا “النيومادية” أو “المادية الجديدة” في النصف الثاني من التسعينيات، مروجين لنظرية ثقافية لا تميز جانب الثقافة ولا الطبيعة. يقترح المصطلح نظرية ثقافية تعيد التفكير في الثنائيات جذرياً وهو أمر أساسي في تفكيرنا (ما بعد الحداثي)، وتبدأ تحليلها دائماً من كيف أن هذه المعارضة (بين الطبيعة والثقافة والمادة والعقل والإنسان واللاإنسان) يتم إنتاجها في الفعل نفسه. وهكذا فإن لديها اهتماما عميقا بمورفولوجية التغيير كما وتولي اهتماما خاصا بالمادة (المادية، عمليات التجسيد) بوصفها ما أهمله الفكر الثنائي كثيرا. يدعي مناصرو هذا التوجه أن الدافع وراء هذا “التحول المادي” هو الإهمال أو التقليل من شأن المادة في التقاليد الأوروبية الغربية السائدة بوصفها سلبية خالية في جوهرها من المعنى. وفيما أصبح اليوم نوعاً من الشعار، يؤكد الماديون الجدد بشكل متكرر كيف أن المادة (حية)، و(يقظة)، و(حيوية)، و(ديناميكية)، و(فاعلة)، و(نشطة).

التآثر التبادلي: تستعمل كارين باراد مصطلح “التآثر التبادليintra-action” للدلالة على “التكوين المتبادل للفاعليات المتشابكة”، أو الطريقة التي تظهر بها الفاعلية من خلال التآثر التبادلي، بدلاً من أن تسبق التفاعل. إذا قامت الفاعلية بدمج غير البشر بهذه الطريقة، فإن ارتباط الفاعلية بالقصدية يتم تقويضه بمعنى أيضا.

الواقعية التفاعلية: تشير “الواقعية التفاعلية gential realism “، إلى مادية (أدائية) شاملة وعلائقية، إذ تكون المادة هي فقط ما تفعله أو كيف تتحرك. لا توجد خاصية لأي شيء يمكن تمييزه- أ سواء كانت مميزات مادية أم فاعلية أم حتى الكلام أم الفكر- تسبق/ أو تبقى من دون تغيير بفعل أفعالها أو مواجهاتها مع أشياء أخرى.

الحافة الفاعلة: طورت باراد أيضاً مصطلح الحافة الفاعلة “agental cut”؛ لتحديد الفاعلية في المادة. بما أن المادة تشكل باستمرار علاقات جديدة مع مادة أخرى، فإن العلاقة المؤقتة تصبح (حلاً لعدم التحديد الأنطولوجي)، من خلال خلق حالة مادية داخل الظواهر التي توفر بنية عرضية لإمكانية الموضوعية. بالرجوع إلى البحث عن ثنائية الموجة والجسيم، فإن العلاقة المؤقتة التي تشكلت بين مادة الجهاز ومادة الضوء سمحت بإنشاء علاقة معينة. هذه العلاقة هي حافة فاعلة أو حدّ فاعل؛ مما يخلق بنية عرضية تسمح لصفات معينة بالظهور.

التشابك: في فهم التشابك، لا توجد كيانات منفصلة محددة مسبقًا. بدلاً من ذلك، كل المادة موجودة، ومن خلال علاقاتها مع المادة الأخرى يمكن تحديد حدود وتحديدات الكيانات للحظة. تنقل التفاعلات Interactions إحساساً بالتغيير الداخلي للكيانات المنفصلة بينما يؤكد التآثر التبادلي على الطبيعة التأسيسية المشتركة بين المادة في التشابكات”.

الصيرورة: نظراً لأن كل المادة تتجسد باستمرار وتندمج في مادة أخرى من خلال التآثر التبادلي، فهي ليست ثابتة أبدًا. ومن ثم، فمن الأنسب القول بأن كل المادة هي في صيرورة بدلاً من أن تكون موجودة مسبقًا. في هذا الفهم المادي الجديد، لا تشير المادة إلى مادة ثابتة؛ المادة هي ما هي في صيرورتها التآثرية التبادلية. ومن ثم، يمكن اعتبار الصيرورة عملية استقرار وزعزعة متواصلة للمادة بفعل التآثر الداخلي المتبادل المتكرر.

الحيود: تقترح باراد “منهجية الانعراج أو الحيود diffractive methodology ” للتحقيق في عمليات صنع الحدود التي تسمح بإنتاج الكائنات والذوات. والحيود هو ما يحدث للموجات عندما تمر عبر فتحة: فهي تنحني وتتفاعل مع موجات أخرى، وتخلق قيعان، إذ تلغي بعضها بعض، وتصل إلى ذروتها حيث تضخم بعضها البعض، وهذا ما يولد نمط حيود، حيث تظهر مساحات قاتمة وأخرى مضيئة. بالنسبة لباراد وهارواي، يعد الحيود رداً حاسماً على فكرة الإنعكاس: يهتم الحيود بالاختلاف بدلاً من التشابه. يعكس الإنعكاس فقط ما يعرفه بالفعل ويتوافق مع الفكر التمثيلي.

أولاً: الإطار النظري

الماديات الجديدة: محاولة للتحديد

المادية الجديدة، أو النيومادية، هي مفهوم معاصر ظهر بفضل البحث المادي الذي جمع العلوم والإنسانيات. صاغ مانويل ديلاندا وروزي برايدوتي- بشكل مستقل عن بعضهما بعض –مصطلح “النيومادية” أو “المادية الجديدة” في النصف الثاني من التسعينيات، مروجين لنظرية ثقافية لا تميز جانب الثقافة، لكنها تركز على ما ستطلق عليه هاراوي الطبثقافات naturecultures أو ما يصفه برونو لاتور ببساطة باسم التجميعات collectives. من الصعب تحديد تعريف دقيق للمادية الجديدة، الأمر الذي ينطبق على نظريات ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية. واعتماداً على كيفية استعماله بوصفه إطار عمل وعلى الباحث نفسه، يتغير المفهوم على نطاق واسع وينتج “مجموعة متنوعة من النظريات الماركسية الجديدة والنسوية والجندرية”. هنا، سنركز على المادية الجديدة كما طورتها كارين باراد تحديداً؛ لأن تفسيراتها تقدم رؤى إبداعية في المادة والفاعلية بطريقة جرى توظيفها في الفن.

يمكن تعريف المادية الجديدة اليوم بصفتها نظرية ثقافية تحاول تجاوز أنماط التفكير الثنائية الديكارتية التي نجدها داخل مختلف فروع العلوم والإنسانيات. ولتحقيق ذلك، تسلط المادية الجديدة الضوء على المادة- مع عدم اغفال العقل الذي يميل الفكر الثنائي إلى منحه الأولوية. بهذا المعنى، تزعم المادية الجديدة أنها “خالية من الثنائيات التي سيطرت على العلوم الإنسانية (والعلوم)”. يحاول الماديون الجدد اجتياز الفكر الثنائي عرضيا بطريقة قد تؤدي إلى إعادة كتابة الاختلاف. تشرح فان دير توين ودولفجين الموقف من ثنائية العقل/ المادة، تقول: “تُظهر المادية الجديدة كيف أن العقل دائما مادي بالفعل. (العقل هو فكرة الجسد)، كيف أن المادة هي بالضرورة شيء من العقل (العقل يتخذ من الجسد كائنه أو موضوعه)، وكيف تكون الطبيعة والثقافة طبثقافية (مصطلح دونا هاراوي)(Dolphijn&Tuin, 2012:84). تعارض المادية الجديدة التقاليد المتجاوزة والإنسانية (الثنائية) التي تطارد النظرية الثقافية، وتقف على حافة كل من الحداثة وما بعد الحداثة.

لم يرفض الماديون الجدد صراحة ما بعد البنيوية: يُظهر العديد من المفكرين ما بعد البنيويين- لا سيما فوكو ودولوز- اهتماماً مادياً بالجسد والممارسات غير الخطابية، وإلى هذا الحدّ، كان لهم تأثير مهم على المادية الجديدة. وإذا كانت ما بعد البنيوية تمثل إشكالية للماديين الجدد، فهذا بقدر ما أنها جزء من منعطف ثقافي أو لغوي يفضي إلى التحليل النصي والخطابي. ترفض المادية الجديدة هيمنة هذه الأساليب التأويلية والتفكيكية ((Braidotti, 2012 تميل ما بعد البنيوية إلى التأكيد على صعوبة أو استحالة تمثيل العالم الحقيقي، وبالتالي تعاملت مع ادعاءات العلوم الطبيعية بالريبة أو اللامبالاة DeLanda, 2006, Latour,.2004)). في المقابل، يتفاعل الماديون الجدد مع العلم بشكل بنّاء أكثر، ويصفون أنفسهم غالبًا بأنهم واقعيون (ibid). ومع ذلك، فهذه واقعية “تأملية “: فهي تصر على وجود حقيقة مادية مستقلة عن العقول البشرية، لكنها تدعي أن هذه الحقيقة أكثر تعقيدًا، وغير متجانسة، وغير مستقرة مما تسمح به الواقعية التقليدية،Harman 2010)).

لا يبتعد الماديون الجدد عن النصية والتفكيكية؛ لأنهم وجدوا أنه لا يمكن الدفاع عنها نظريًا، ولكن لأنهم يرون أنها غير مؤهلة للرد على سياقنا الاجتماعي والسياسي الحالي أو شرحه ((Coole& Frost, 2010.

وضع العديد من أنصار ما بعد البنيوية بين قوسين أسئلة العلم والواقع. ومع ذلك، فإن المشاكل السياسية التي نواجهها تتشابك بشكل لا ينفصم مع العلم وهي حقيقية لا يمكن إنكارها، مما يثير التساؤل حول قيمة النظريات التي تركز على البناء اللغوي أو الاجتماعي لعالمنا. تتطلب مجموعة من التطورات– مثل تغير المناخ، والاتصالات الرقمية، والتعديل الوراثي، والعقاقير الصيدلانية الجديدة، والاستنساخ وما إلى ذلك- إعادة التورط مع العلم. ليس الأمر ببساطة أن هذه التطورات تثير معضلات أخلاقية وسياسية جديدة وصعبة، فحسب، بل أنها، كما يقول الماديون الجدد، تدعوننا لإعادة التفكير في مقولاتنا الأساسية. على سبيل المثال، في عصر الهندسة الحيوية، كيف نحدد الحياة، أو نميز بين الطبيعي والتكنولوجي، أو الإنسان من غير الإنسان؟ ليست الحدود المفاهيمية فقط التي يتم تقسيمها بهذه الطريقة ولكن أيضاً حدود التخصصات: تغير المناخ، على سبيل المثال، هو ظاهرة طبيعية واجتماعية-سياسية، وسيتطلب فهمها تحليلات علمية وسياسية واجتماعية. بالنسبة للاتور، فإن من سمات العالم الحديث أنه يخلق هذه “الهجينة” الطبيعية والاجتماعية والتي تقاوم الدافع الحداثي لتنقية وتمييز الطبيعة غير البشرية (تُركت لعلوم الطبيعة) عن الإنسان المجتمع (مخصص للعلوم الاجتماعية والإنسانية) (Latour, 1991).

ينعكس هذا التآكل في حدود التخصصات في الطريقة التي يعتمد بها الماديون الجدد على العلم كمورد فلسفي. مال الفلاسفة ما بعد البنيويين إلى الفن والأدب من أجل الإلهام، وإذا حدث أن ناقشوا العلم، فليس إلا لتحديد حدوده وكبح طموحاته. في المقابل، يقترح الماديون الجدد أنه لا ينبغي أن نهدف إلى “استخدام العلوم الإنسانية للتفكير في العلوم ولكن استخدام العلوم لإعادة التفكير في العلوم الإنسانية  (Dolphijn, & Tuin, 2012). وبالاعتماد على التطورات في العلوم الطبيعية، وخاصة البيولوجيا والفيزياء، يطور الماديون الجدد صورة لعالم مادي أكثر ديناميكية وتقلباً مما هو معروض في النظرة الآلية التقليدية ((Coole, & Frost, 2010. ويقترحون إعادة تصور للمادة له عواقب مهمة على طريقة تفكيرنا في الفاعلية. يميل التقليد الفلسفي الغربي إلى التعامل مع المادة على أنها شيء وحشي وخامل: مادة سلبية يجب إتقانها والتلاعب بها من قبل الأفراد النشطين. من وجهة النظر هذه، إذا كانت المادة تؤثر علينا على الإطلاق، فليس إلا من حيث كونها سياقاً متمرداً يقيد حريتنا.

على النقيض من هذه المادة التي لا حياة لها، يفترض الماديون الجدد ما تسميه جين بينيت “المادة النابضة بالحياة”(Bennett, 2010): عالم الأشياء غير البشري هو نفسه إبداعي وتكويني، ينتج التأثيرات ويشكل الروابط. حتى الكيانات غير العضوية المستقرة ظاهرياً مثل المعدن متحركة ونشطة. لا تحتاج المادة إلى البشر لتشكيلها أو التحكم بها لأن كل مادة لها خصائص توليدية خاصة بها (Dolphijn, &Tuin, 2012).

بهذا المعنى، أحدثت المادية الجديدة تحولاً في إنتاج المعرفة وأشكالها ومعانيها. يمكن العثور على أحد الأمثلة على هذا التحول الناجم عن تطور الفكر المادي الجديد في العمل الذي طورته عالمة الفيزياء الكمومية والفيلسوفة النسوية كارين باراد والمتعلق تحديداً بالمادة وفاعليتها ومفهوم التآثر التبادلي والواقعية التفاعلية. تعتمد نظريات باراد حول المادة والفاعلية بشكل كبير على فيزياء الكم كما طورها الفيزيائي نيلز بور، الذي ساهم في النظرية الحالية الأكثر قبولاً لفيزياء الكم. استلهمت باراد كتاب بور (فلسفة-فيزياء) في نظرياتها، فضلاً عن نظريات بتلر حول تأدية الأدوار، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتطويرها لمصطلح “الواقعية التفاعلية”.

الواقعية التفاعلية Agential realism هي نظرية ابستمولوجية أنطولوجية تحاول وصف كيفية تشكيل الواقع ابستمولوجيا وانطولوجيا. إنها تصور عملية مختلفة لفحص الكائنات وخلق المعرفة داخل العلم. تحاول هذه النظرية أيضًا وضع تشكيل الواقع خارج حدود التصور البشري من خلال تضمين الكائنات والأشياء غير البشرية. تقول باراد: “تستلزم الواقعية التفاعلية إعادة صياغة كل من المصطلحين- “الفاعلية” و”الواقعية”- وتوفر فهماً لدور العوامل البشرية وغير البشرية في إنتاج المعرفة، وبالتالي نقل اعتبارات الممارسات المعرفية أبعد من مناقشات ثنائية الواقعية التقليدية والبنائية الاجتماعية”(Barad, 1998:89). على هذا النحو، فإن الواقعية التفاعلية هي إطار نظري للتأمل في/ وتحليل الأفعال التآثرية المتبادلة بين المادة والخطاب وعدم قابليتهما للانفصال. عندما يتعلق الأمر بمصطلح التآثر الداخلي intra-action، تستبدل باراد البادئة inter (والتي يمكن تعريفها بالتفاعل بين كيانيين مستقليين) بالبادئة intra (والتي تعني البيني أو التداخلي). وهذا يعني التحول بعيداً عن التركيز على تفاعل الهيئات المستقلة التي لديها القدرة على التصرف بشكل منفصل، إلى تأطير نفس هذه الكيانات وفاعلياتها على أنها ناشئة من داخل تلك العلاقة-أو التفاعل. يسمح هذا الإطار بتصور العلاقات بين بعضها البعض مثل البشر، وغير البشر، والخطابات، والكيانات، والمادة.

الفاعلية، هي القدرة على أو شرط التصرف، أن تمتلك طاقة الممارسة. يوظف الماديون الجدد التعريف نقطة انطلاق لتطوير أفكار جديدة حول الفاعلية: من يمتلكها، وهل يمكن منحها أو سلبها، وما هي أخلاقيات الفاعلية فيما يتعلق بالمادة؟ تتبنى كارين باراد مقاربة مباشرة لهذه الأسئلة وتنظر في العنصر البشري للفاعلية، وتشكك في تفسير الفاعلية المتمركز حول الإنسان. تستعمل باراد مصطلح “التآثر من الداخل أو التآثر التبادلي intra-action ” للدلالة على “التكوين المتبادل للفاعليات المتشابكة”، أو الطريقة التي تظهر بها الفاعلية من خلال التآثر التبادلي، بدلاً من أن تسبق التفاعل. إذا قامت الفاعلية بدمج غير البشر بهذه الطريقة، فإن ارتباط الفاعلية بالقصدية يتم تقويضه بمعنى ما أيضاً. يجب أن نعترف ليس فقط بأن نوايانا يمكن إحباطها من خلال أفعال الأشياء غير البشرية ولكن أيضاً أن تلك النوايا هي نفسها في نهاية المطاف نتاج أفعال جهات فاعلة غير بشرية أو فرعية، أي المواد الكيميائية والهرمونية والإلكترونية المختلفة. التفاعلات التي تحدث داخل أجسادنا وأدمغتنا. بعبارة أخرى، نحن لسنا محاطين فقط بممثلين متنافسين، بل أنهم يسكنوننا أيضا(ibid).

من خلال التشكيك في الجانب الإنساني التقليدي للفاعلية، طورت باراد مفهوم الواقعية التفاعلية. الواقعية التفاعلية، باختصار، هي إطار يمكن استعماله للنظر إلى الواقع وكيف يتشكل (من خلال العلوم والإنسانيات). عندما تتقاطع الفاعلية مع الواقعية التفاعلية، يتم فصلها عن عالم الإنسانية، مما يعني ضمنا أن الفاعلية لا تحتاج إلى الاعتماد على عنصر بشري لكي تكون موجودة مسبقا. بالأحرى توجد داخل فضاء التآثر التبادلي وبين الحدود، والذي لا يحتاج بالضرورة أن يشمل موهبة الفاعلية البشرية؛ ونظراً لأن المادة لا تحتوي على أي خصائص أو صفات مطلوبة كي يتم تكوين علاقة مؤقتة في التشابك، فإن الفاعلية لا تقع داخل المادة. توضح باراد هذه النقطة عندما تقول إنّ “الفاعلية ليست شيئا يمتلكه البشر وحتى غير البشر بدرجات متفاوتة”(Barad, 2007: 172). وكما تستعمل باراد مصطلح التآثر التبادلي الداخلي للتأكيد على أن الفعل يقع ضمن المادة من خلال علاقاتها، فقد طورت أيضا مصطلح الحافة الفاعلة”agental cut”175):ibid)، لتحديد الفاعلية بين المادة. فبما أن المادة تشكل باستمرار علاقات جديدة مع مادة أخرى، فإن العلاقة المؤقتة تصبح “حلًا لعدم التحديد الأنطولوجي(ibid) بخلق حالة مادية داخل الظواهر التي توفر بنية عرضية لإمكانية الموضوعية. وبالرجوع إلى البحث عن ثنائية الموجة والجسيم، فإن العلاقة المؤقتة التي تشكلت بين مادة الجهاز ومادة الضوء، عند دراسة طبيعة الضوء المزدوجة، سمحت بإنشاء علاقة معينة. هذه العلاقة هي حافة فاعلة أو حد فاعل، مما يخلق بنية عرضية تسمح لصفات معينة للجهاز والضوء بالظهور.

ونظراً لأن كل المادة تتجسد باستمرار وتندمج في مادة أخرى من خلال التآثر التبادلي، فهي ليست ثابتة أبداً. وتبعاً لذلك، فمن الأنسب القول بأن كل المادة هي في صيرورة بدلاً من أن تكون موجودة مسبقاً. في هذا الفهم المادي الجديد، لا تشير المادة إلى مادة ثابتة؛ بل ماهية في صيرورتها التآثرية التبادلية. وهكذا، يمكن اعتبار الصيرورة عملية استقرار وزعزعة متواصلة للمادة بفعل التآثر الداخلي المتبادل المتكرر.

في الاعتراف بأن كل المادة في طور الصيرورة، تفقد المحاولات التمثيلية لتعريف المادة صحتها بسبب التجسد المتواصل؛ ونظراً لأنه لا يمكن تحديد الكائنات على أنها موجودة مسبقا بسبب التشابك، فيجب الاعتراف بأن الكائنات تظهر من خلال ممارسة معينة بها. ونظراً لعمليات إعادة التكوين المتكرر للمادة من خلال كل تآثر تبادلي داخلي متشابك، فمن المستحيل التمييز “بين الخلق والتجديد، والبدء والعودة، والاستمرارية والانقطاع، وهنا وهناك، والماضي والمستقبل” 9): ibid). هذا يعني أن تاريخ المادة لا يمكن فهمه في نماذج الماضي والمستقبل التقليدية، بل لا بد من إيلاء الاهتمام للتآثر التبادلي البيني للمادة، والتي تؤثر على ما يصبح ممكنًا، وما هي الاحتمالات التي يتم رفضها.

ولأن التآثرات التبادلية الداخلية للمادة تعيد تكوين المكان والزمان من خلال بعضها البعض، مما يحجب المفاهيم التقليدية للماضي والمستقبل، يجب إعطاء فهم جديد ليحل محل الفهم الخطي التقليدي للمادة عبر الزمن. لمعالجة هذه المشكلة، ابتكرت روزي بريدوتي مصطلح “المحايثة المادية” لوصف “إعادة تأسيس أنفسنا المحايث والمرن في التناقضات الفوضوية للحاضر”(Braidotti, 2019:38) هنا، تعترف بريدوتي بأن جميع الكيانات البشرية وغير البشرية هي ذوات/ كائنات مستعرضة في عملية الصيرورة، مرتبطة بأفعال المادة التآثرية التبادلية ذاتية التنظيم.

تعتمد روزي بريدوتي على مفاهيم الافتراضي والمتحقق ومستوى المحايثة في أعمال دولوز وغواتاري لبناء مفهومها عن المحايثة المادية. وفقًا لدولوز وغوتاري، فإن الافتراضي هو إمكانية يمكن تحقيقها في الواقع، والذي يمكن اعتباره الحاضر. علاوة على ذلك، فإن مستوى المحايثة هو عملية تنظيم ذاتي لا شكل لها للافتراضي الذي ترتبط به المادة ارتباطًا جوهريا. نظراً لأن مستوى المحايثة هو تشابك افتراضي في عملية الصيرورة، فإن التفاعلات التي تحدث في الحاضر تؤثر على الإمكانات في الافتراضي لما هو ممكن و/ أو مرفوض. في تحديد المحايثة المادية، تعيد بريدوتي توجيه الانتباه بعيداً عن الذات للتركيز على التحول النشط للافتراضي. على غرار باراد، لا ينسب الماضي والمستقبل إلى فهم خطي تقليدي. وفقاً لبريدوتي، “الماضي ليس كتلة مجمدة من الأعمال نصف المنجزة، بل كتلة غير متجانسة من الماضي المستقبلي تنتظر التجسيد التاريخي. وبالمثل، فإن المستقبل هو الكشف المستمر عن ماض افتراضي غير متحقق”65): ibid).

وبالتالي، فإن التفكير ما بعد الإنساني، وفقاً لبريدوتي، هو إنشاء مفاهيم للمساعدة في تعقيدات الحاضر مع التركيز على تحقيق الافتراضي. لأن تفكيرنا والأفعال تؤثر على تحول المادة في الافتراضي، كل أفكارنا وأفعالنا تحتاج إلى اعتبارات أخلاقية لأننا “كلنا– في هذا- معًا- لكننا- لسنا واحداً- ولسنا– الشيء- نفسه”157): ibid).

من خلال استكشاف مادة خارج نطاق الأيديولوجية التي تمنح الأولوية للعقل على حساب كل شيء آخر، يسمح الماديون الجدد لديناميكية المادة بدخول دائرة الضوء. إن إعادة التفكير في الأمر بهذه الطريقة هو محاولة لرفض المفاهيم التمثيلية والمتمحورة حول الإنسان للمادة. التمثيلية هي الفكرة الفلسفية القائلة بأن العالم من حولنا الذي نراه ونختبره ليس العالم “الحقيقي” ولكنه تمثيل مبني على وجهات نظرنا الداخلية. إنه يعني أن عقولنا تمنعنا من خبرة العالم بشكل مباشر بسبب هذا التمثيل المحاكي الذي نحتفظ به.

 تبدو الروابط بالفن مهترئة هنا، إذ إن الفن غالبأً ما يكون شكلاً من أشكال الاشتباك النقدي مع المادة؛ لذلك، حين تكون الأفكار والتلاعب بالألفاظ مجالاً لـ “الفلاسفة”، فإن المواد والحركة والصوت والعمل هي مجال الفنانين، أو حتى الفنانين والفلاسفة.

إنّ النظر أبعد من ثنايا هذه الفكرة الفلسفية يعني البحث عن الظاهرة في المادة والحياة والمادية. إن تناول ديناميكية المادة على طريقة الماديين الجدد يعني رفض التمثيلية على جبهتين متقابلتين: المفهوم العلمي للمادة بوصفها محاكاة للطبيعة، مما يعني أن هناك تمثيلًا واحدًا فقط للمادة؛ ومفهوم ما بعد الحداثية للمادة بوصفها محاكاة للثقافة؛ مما يعني أن هناك قدراً لا حصر له من تمثيلات المادة. وعند مناقشة الأنطولوجيا من خلال اعتبارات فيزياء الجسيمات، فإننا نضع اهتمامنا بالضرورة على (المادة). هذه عودة إلى المادية أو (المادية الجديدة) للفلسفة المعاصرة والفن. ويجب أن تأخذ هذه المناقشات حيزاً معتبراً وأن تبدأ من منظور الفنانين.

 يميز مُنظِّر فن الحيوان رون بروجليو في مناقشته الشيقة في (لقاءات سطحية، 2011) بين الفنانين والفلاسفة (Broglio, 2011). ومع ذلك، فإن القضية هي أنه بينما لا يهتم جميع الفنانين بالفلسفة تماماً، كما أن ليس كل صانعي الكلمات فلاسفة، فإن الفن كفلسفة مادية له علاقة قوية مع فلسفة جماليات تعدد الأنواع الحية وما بعد الإنسان. إن الكلمات هي أكثر أشكال التعبير تمركزاً حول الإنسان ويمكن أن تتعارض مع المادية (Bennett, 2011). إن تفكيك وإعادة صياغة اللغة المكتوبة من قبل دونا هارواي وكارين باراد يشير بشكل مناسب إلى أن لغة أخرى مطلوبة لعالم آخر. وبالمثل، فإن مشروع الدراسات الحيوانية وما بعد الإنسانية الذي يشمل غير البشر، يشير بالتأكيد إلى ضرورة إشراك اللغات المادية وغير البشرية في التعبير.

تعتبر باراد أن العمليات الخطابية-المادية تؤدي إلى الظواهر، وأن الخطاب لا يتعلق باللغة، بل بالأفعال التآثرية التبادلية:” الخطاب ليس مرادفًا للغة. لا يشير الخطاب إلى لغوية أنظمة الدلالة أو القواعد النحوية أو أفعال الكلام أو المحادثات. إن التفكير في الخطاب على أنه مجرد كلمات منطوقها مكتوبة تشكل بيانات وصفية هو تشريع خطأ التفكير التمثيلي. الخطاب ليس ما يقال. إنه ما يقيد ويمكّن ما يمكن قوله”. (Barad, 2007:146)

وجد الفنانون طرقاً مختلفة لإعادة معالجة هذا التشريع. ولفهم الأعمال الفنية بشكل صحيح، يمكننا تطبيق منهجية الحيود لباراد وهاراواي، والتحقق من الاختلافات والتشابهات والصدى عبر المادة والأفعال والكلمات. والحيود هو منهجية مفيدة للمضي قدماً، وآلية مركزية للتحليل في الواقعية التفاعلية. وخلافاً للمفهوم البصري المألوف، ولكن المحدود، للانعكاس، يحتضن الحيود نموذج أنماط الموجات الأكثر تعقيدًا، كما هو الحال في تجارب الجسيمات/ الموجات الضوئية التي يتردد صداها عند ترددات مختلفة، ويمكن قراءة خطوط التفكير المختلفة هذه بشكل مثمر من خلال بعضها البعض بوصفها أنماط رنين وتنافر تضيء إمكانيات جديدة للفهم والوجود. (Barad, 2007:141).

ثانيًا الإطار التطبيقي

معرض (التآثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين)، معرض فني لمجموعة مؤتمر دراسات الحيوان الأسترالية، 2013، جامعة سيدني.

تمثل الواقعية التفاعلية لكارين باراد مثالًا خصبًا لإمكانيات حيود نظرية الابستمولوجيا العلمية والنظرية الثقافية، وأحد الأمثلة التي تنشأ فيها تشابكات الأنواع البيولوجية المتعددة والكائنات غير الحية من خلال عملية وصفتها بأنها تآثر تبادلي. لقد فهمنا سابقًا التآثر التبادلي على أنه ظهور وتحول متبادل وتغيير في الحدود. يحدث هذا في سياق تكون فيه المادة مهمة، والكيانات المادية ظواهر غير موجودة قبل التآثر التبادلي، وحدود الظواهر المادية هي حدود تأسيسية.

دعونا نتحدث عن مثال تطبيقي على التآثر التبادلي. حقق معرض أقيم في عام 2013 بعنوان: (التآثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين)[1] نجاحاً كبيراً. تضمنت عمليات المعرض التنقل عبر المقاييس والزمانيات والأنواع والمواقع الجغرافية السياسية فضلاً عن قوى المادة المؤثرة، ومادية الأفكار والأجساد المندمجة والناشئة في عملية الصيرورة المستمرة. كانت الخبرة الناشئة للمعرض عبارة عن اندماج للمحادثات الخطابية-المادية ولقائهما في منتصف الطريق. لقد وفر المعرض مساحة تغلغلت فيها فكرة التآثر الداخلي عبر حدود الممارسة الفنية.

يوضح إنشاء مادلين بويد هذه الفكرة في الممارسة الفنية في عمل أطلقت عليه (الغسل TheWash,2014)(Boyd,2014). تُظهر تفاصيل الإنشاء المثبت في غرفة مظلمة مع إضاءة متدرجة، رسومات مستوحاة من الفيزياء الكمومية على غطاء حصان. بالاستناد إلى فكرة العلاقة غير الخطية بين المكان والزمان والأحداث، تتحرك الألوان المائية والخطوط المخيطة بشعر الحصان خارج تنسيق الرسم البياني المعتاد إلى مادة الغطاء نفسها والمساحة المحيطة بالرسم. يشير الإنفجار الملحوظ من نقع الألوان المائية في القماش ضمن الرسوم البيانية ثلاثية الأبعاد المألوفة في الفيزياء إلى الانجرافات التي لا يمكن تصورها في العلاقة بين الزمان والمكان. تم التأكيد على العلاقة الأدائية بين النظرية والممارسة من خلال الرسم على غطاء حصان كان يرتديه في السابق مهر متعاون مع الفنانة يحمل اسم (برنس) وخياطة شعره في الرسم التخطيطي.

من المؤكد أن كارين باراد تقر بأن الاختلالات في موازين القوى تظهر في جميع العمليات: إن وجود علاقات لا يعني عدم وجود تباينات وعلاقات قوة غير متكافئة لأن الأشياء لا تظهر بشكل مشترك على قدم المساواة. نحن نعمل الآن مع نظرية الحقل الكمومي (QFT) على أساس الأنطولوجيا التي تنير منظور ما بعد الإنسان بدافع الحوارات حول العدالة للأنواع المتعددة. بالانتقال الآن إلى قلب هذه القضية، يمكننا أن نسأل “كيف ترتبط هذه الأنطولوجيا بممارسة الفن المعاصر ونظرياته؟” إن الحوار بين الفلسفة والجماليات ليس شيئاً جديداً، ولكن الجديد هنا هو الفنانون الذين يتبنون اهتماما بفلسفة العلم الذي لا يتعامل صراحة مع الجماليات.

على نطاق أوسع، يتم رسم الروابط في المجال متعدد التخصصات للدراسات الحيوانية، وظهور الممارسات القائمة على العلم في الفن، وإدراج المادية الجديدة في الحوارات الجمالية. ليست هناك حاجة للتركيز على اهتمام الفنانين بالأنواع غير البشرية، فهذا هو محور مشروع المعرض. الأكثر تحديدًا هو الحاجة إلى التداول حول كيفية إشراكنا لوجهات نظر الأنواع المتعددة في الفن، وكيف يمكننا تطوير جماليات تختص بالأنواع المتعددة. كان هناك اهتمام أكاديمي بتطوير جماليات شاملة للحيوانات على الأقل منذ أن تداخلت عروض ويليام ويجمان مع فايمارانا مان راي مع الفن المفاهيمي في السبعينيات. ومع ذلك، ما نقصده هنا بالتحديد هو طرح جماليات متعددة الأنواع تركز على مفاهيم باراد عن المادية الجديدة.

تتمثل إحدى نقاط الاختلاف في أن الكثير من العمل الذي قام به منظرو الفن غير البشري يتعلق بالحيوانات. ومع ذلك، فإن الفن متعدد الأنواع يشمل جميع الأنواع، البشرية، والحيوانية، والفطرية، والفيروسية، والنباتية، والميكروبات، والأعشاب الضارة، والآفات، وما إلى ذلك. ينشأ هذا التفكير الذي يهتم بتعددية الأنواع، على وجه التحديد، من العمل على الإثنوغرافيا متعددة الأنواع التي وصفها لأول مرة ستيفن هيلمريتش وإيبين كيركسي في ورقتهما الصادرة عام 2010 (ظهور إثنوغرافيا متعددة الأنواع) (Kirksey & Helmereich, 2010).

عند أخذ المصطلح من نقطة البداية هذه، فإن مصطلح الأنواع المتعددة يحفز منظوراً غير ثنائي، محدداً وغير إنساني يتجاوز “الحيوان” ليشمل نطاق الحياة على اتساعه، وحتى الخوض في الشرفات اللا-أحيائية للحياة، إذ توجد الفيروسات واللينقولات. تتجنب خصوصية الأنواع المتعددة التعميمات، إذ لم يعد (الحيوان) وصفاً مناسباً أكثر من فطر ماتسوتاكي، أو أن يمنح المهر المسمى (برنس) كياناً محدداً للمشاركين في الممارسات ما بعد الإنسانية. ومن ثم، يقدم المعرض وجهة نظر خاصة يمكن أن تكون حيودية من خلال مشاريع جمالية أخرى غير بشرية.

يندرج عمل مارنيا جونستون، (النموذج الأولي للمتجولات) أو (استكشاف الأرض + تصميم التغذيةTE + ND Rover-2013)) تحت فكرة الاستكشاف الواسع للحيوات المتعددة بعيداً عن الإنسان وحيواناته المفضلة. (المتجولات) هي مشروع فني تفاعلي يستكشف البيئة المهاجرة في عصر تغير المناخ. المركبات الجوالة عبارة عن بيئات رعاية آلية (روبوتية) تهتم بحديقة النباتات المحلية الخاصة بها من خلال التفاعل مع المشاركين والبحث بنشاط عن الضوء والماء. يتكون فريق التصميم من الفنانة مارنيا جونستون، مبتكرة المشروع وأخصائية المواد كوري ماكغوير، ومستشار الأجهزة وتطوير لينوكس، كما أضاف إبين كيركسي، منسق المعرض، تطويراً إضافياً في إنشاء (المتجول) من خلال جعله قادراً على جمع الأعشاب والنباتات المتساقطة من المناطق الحضرية الحدودية. القصد هنا هو إثارة التفكير في العدالة لجميع الأنواع بينما نتساءل عما إذا كان ينبغي للروبوت أن ينقذ نباتاً وصفه البشر بأنه حشيش. ((TE+ND الفكرة هنا ليس كتابة بيان ولكن نبش أغشية العدالة القابلة للاختراق.

يتساءل إيلين غان وآنا تسينغ، في عملهما (زمن الفطر في غابات ساتوياما Fungal Time In The Satoyama Forest-2013)) كيف يمكننا تنشيط التآثرات المتبادلة بوصفها سلسلة من الأنماط الزمنية وتناغمات الأنواع المتعددة؟ هذه القطعة عبارة عن جزء صغير من تعاون مستمر بين عالم أنثروبولوجيا وفنان وفطر ماتسوتاكي ومضيفيهم في غابات الصنوبر. يتلاعب المتعاونون بساعة الفطر، وهي تمثيل مرعب لتنسيقات الأنواع التي تكشف عن حواس مختلفة للزمان والتاريخ والمكان والفضاء. إنها تجريبية وتخمينية بشكل مفرط. ساتوياما هي المناظر الطبيعية المثالية للفلاحين في وسط اليابان.

يشير المصطلح إلى تجمع حي من الغابات والحدائق وحقول الأرز وقنوات المياه ومسارات القرية. نحن نعتبر الغابة خليطًا من الأزمنة، رقعة تنبثق من لقاءات طويلة الأمد مع الفطريات. ندعو المشاهدين إلى ملاحظة الأنماط غير المحددة تاريخياً لنمو الغصينات الفطرية التي تظهر بالتوافق مع تصرفات الأنواع الأخرى، بما في ذلك البشر. يوفر تركيب الفيديو على قناتين عرضاً جزئياً لما تسميه كارين باراد “التآثر التبادلي”. هنا، يصبح المشي سلسلة من الأنماط الزمنية التي تتزامن بين حركات الغابات فوق الأرض ونمو الفطريات تحت الأرض. تُظهر الصورة في الخلفية ساتوياما، يبدأ هذا التركيب في وصف ساتوياما على أنه متعدد الأزمنة، رقعة متكررة تتشكل وتخرج من لقاءات طويلة الأمد وغير محددة بين العديد من الأنواع (FUNGAL TIME,2013).

في الجدل الدائر حول أنواع الفن التي تتلاءم بشكل أفضل مع ما بعد الإنسانية، يقدم كاري وولف (Wolfe, 2009)، حجة قوية ضد الصورة المرئية، مشيراً إلى أن الوضع المرئي يركز بشدة على الإنسان. بمعنى أنه أنثروبي التمركز. يمكن القول أيضاً: إن الجماليات المرئية الشائعة اليوم مرتبطة بشكل خاص بالتسويق المرئي، الذي كان في إزدياد منذ الخمسينيات. هنا يمكننا أن نلاحظ تأثير التصميم الجرافيكي وتقديم الصور الفوتوغرافية في الفن الشعبي. ويترتب على ذلك أن بعض أشكال الوسائط المرئية هي أيضاً متواطئة مع قيم اقتصاد النمو الرأسمالي، وبالتالي تقوض بطبيعتها العدالة للأنواع غير البشرية. توجد فرص لتخريب هذه القيم من خلال التوظيف الشعبي لأشكال التعبير الانثروبي التمركز والرأسمالية لتوضيح نقاط ضد المركزية البشرية، ولكن هذا ككل يعزز تلك الأشكال المرئية ولا يعالج مسألة الجماليات متعددة الأنواع.

يدحض ستيف بيكر موقف كاري وولف في (الفنان/ الحيوان) (Baker, 2013) ويناقش فكرة أن الفنون البصرية مثل الرسم والطلاء بطبيعتها متمركزة حول الإنسان. بدلاً من ذلك، يقترح بيكر أنه طالما أن الفنان يشارك في مادية العملية ويضيف إلى أسئلة الحيوانات ذات الصلة مقابل تخصصه المحدد في الفن، فإن عمله لا يزال ذا صلة بما بعد الإنسانية (أو جماليات الأنواع المتعددة). ومع ذلك لا بدّ من البحث عن بداية جديدة لطريقة عمل متطورة. من المحتمل أن يتم استقبال العمل الفني الذي يحتوي على قراءة فورية ضمن إطار إنساني راسخ بهذه الطريقة. سيكون لإيماءات التخريب ضمن هذه الأنماط بالفعل تصنيفات محددة، بدلاً من كونها وصولاً مهماً إلى تفكير جديد. ومن المرجح أن تحدث الوسائط الجديدة والإنشاء والأداء والأعمال التفاعلية التي تشرك البشر والأنواع الأخرى، وكذلك، بشكل حاسم، الأعمال الفنية المنتجة مع الأنواع الأخرى تحولاً أدائياً نحو عوالم أخرى فضلاً عن إيجاد أماكن فريدة للقيام بعمل فني استفزازي.

المفهوم الأساسي الذي يربط هذه المحادثة بكارين باراد هو التمثيلية representationalism. تحمل هذه الكلمة تقاليداً معينة في التوظيف في كل من الفن وفلسفة العقل، وكيف أن مقاربتها بشكل مختلف مهم لتطوير جماليات الأنواع المتعددة. يرتبط التمثيل في الفن عموماً بالعروض (الواقعية) للموضوعات في الرسم والنحت، وبالتالي فإن إنشاء الكائنات النهائية تلطفه الأذواق الجمالية لزمن الإنتاج وميول الفنان الخاصة. يعطي أسلوب التفكير الكانطي الديكارتي الأسبقية للعقل وسيطًا لجميع العلاقات مع الواقع. باتباع هذا التفكير، تتم معالجة الواقع وتوسيطه من خلال الدماغ ثم يُطور النشاط الثقافي مثل الرسم والنحت. تجادل باراد بأن هذه النزعة التمثيلية تبعد الذات والكائن بافتراض أن الأفراد موجودون بداهةً (شرط قبلي) بدلاً من أن ينشأوا عن تآثر تفاعلي تبادلي. تدعم التأثيرات البعيدة للتمثيل الفردي وجهة النظر القائلة بأن ما يُدرك ليس حقيقياً، ولكنه نسخة من الواقع بوساطة الذات. هذا تمركز أنثروبي بعمق؛ لأنه يعني أننا البشر نتوسط واقعنا. بدلاً من ذلك، تعطي الواقعية التفاعلية(المؤثرة) الأولوية للعمليات الخطابية- المادية، والكينونة-في- العالم. وبالتالي، هناك حاجة إلى مناهج مختلفة للتفكير والعمل مع العالم خارج هيمنة التفكر والعقلانية.

في الفلسفة المعاصرة، تساهم المعلومات الصادرة عن علوم الأعصاب في المناقشات حول طريقة عمل الدماغ، تماماً كما دفعت تجربة الشق المزدوج المناقشات في الفيزياء إلى الأمام وأصبحت أساساً لفيزياء الكم. ومع ذلك، دعونا لا ننسى أن الدراسات العلمية النقدية أظهرت الحاجة إلى التشكيك في سلطة النتائج والجهاز الذي تم تطبيقه. إنّ مجال علم الأعصاب الأكثر صلة بهذه المناقشة هو الإدراك المجسدembodied cognition.(EC)  لقد ازدهرت هذه الدراسات منذ اكتشاف الخلايا العصبية المرآتية، التي تعتبر الأساس التطوري للتعاطف وقراءة العقل (معرفة ما ينوي الآخرون)؛ لذلك من الناحية النظرية، يمكننا أن نسأل عما إذا كان الدماغ يتوسط في الواقع بالكامل؟ وما دور الجسد في إدراك الواقع والاستجابة (جنباً إلى جنب مع الدماغ)؟

تقارن ورقة مناقشة أعدها ألفين جولدمان (Goldman, 2013) بين نماذج الإدراك المجسد الحالية. ويستنتج أن للجسم دور ثانوي في الإدراك والاستجابة؛ لأن أجزائه تحفز مناطق ما قبل الحركة في القشرة (وهذا ينطبق أيضاً على أفعال الجسم المتخيلة)، فيما يتعلق بالجماليات، فإن آليات الانعكاس وقراءة العقل مبنية على مراكز الذوق العصبي البدائية التطورية. ومع ذلك، فإن الافتراضات الأولية لهذا البحث تعزز الشروط الديكارتية التي يسعى البحث إلى استجوابها، ويجب تلطيفها بقراءة باراد لمفهوم الإستجابة.

اعتمد الباحثون في البداية معايير أن النتائج تتعلق بالأنشطة داخل فرد واحد فقط، وليس فيما يتعلق بالآخر. كما أن مفهوم دراسة الإدراك المجسد من منظور النشاط العصبي كـ “العقل” ينفي التفكير في النشاط العصبي نفسه كعمليات مادية، والجسد كمادة في مجمله وليس نظاماً للعمليات الآلية؛ لذلك هناك مستوى من التفكير حول المادة، والذي يكون دائماً بالفعل تآثرا متبادلا، والذي لم يتم تناوله بواسطة علم الأعصاب الرائد هذا. يُعد بحث جولدمان مثالاً على الإختزال العلمي غير النقدي؛ لأنه يفترض أنه يمكن عزل الجسد الفردي والأجزاء الفردية من الجسد وتحليلها بطريقة شبيهة بالآلة. هنا يمكن أن يكون لدى الانطولوجيا والابستمولوجيا والايطيقيا(انطوابستموطيقا) المادية الجديدة شيئاً مهماً يمكن قوله. تعرض المشاكل التي تنشأ الآن في حسابات التبادلات النشطة على المستوى الخلوي في علم الأحياء الكمومي المزيد من الدعم لهذا المنظور.

عندما نتقاطع مع النزعة التمثيلية في الفن والفلسفة، نرى تأثير الجماليات الكانطية، والتي تشير إلى أن الفنان من خلال إدراكاته العبقرية للعالم كما نعرفه يقدم قراءة موثوقية معينة وقيمة. كما أن الجمالَ دلالةٌ على ما هو صحيح في العالم وأن الفن يوفر الطريقة الأكثر ملاءمة لتقديم الجمال. يرى الفنان في هذه القراءة، ويتوسط ويمثل نسخة من الواقع بجمال يسمح للمشاهد أن يصبح مفتوناً ويتجاوز عقله ويفكر في روابط العمل الفني بإدراكه للواقع بوساطة. ولكن، بالعودة إلى تصريح باراد بأن “اللاتناهي هو إعادة التشكيل المادي المستمر للاشيئية؛ والتناهي ليس إسقاطه المسطح والمختصر مسبقًا على جدار الكهف، ولكنه ثراء لا نهائي” (Barad, 2012 a) يجب على الجماليات المادية والمتعددة الأنواع أن تنشغل بالصفات التآثرية التبادلية المتداخلة للمواد ذات الاهتمام والفاعلين المشاركين في الأداء. لا يوجد عقل مسيطر، بل تآثر بيني تبادلي بين الفاعلين.

يستجيب الفنان جنباً إلى جنب مع المادة التي يتم إشراكها والنوع الحي المعني وربما أيضا الترسيب الناتج؛ العمل الفني، الذي يواصل العمل؛ أي الأداء. بالتأكيد هذا هو الهدف ونقطة البداية لجماليات الأنواع المتعددة. ومع ذلك، بالنظر إلى أن هذه العملية تحدث فيما يتعلق بالموقع الطبيعي الثقافي والزمني للفنان، فإنها تساعد ممارسي الإنتاج على استعمال الأجهزة الفنية مثل كاميرات الفيديو والأسطح والإلكترونيات والمعارض وأجهزة الصوت وما إلى ذلك لتفعيل الأداء بطريقة ذات أهمية ثقافية.

دخلت التمثيلية واللا التمثيلية وحتى “أكثر من التمثيلية”(Lorimer, 2005) في حوارات حول ممارسة البحث المعاصرة في الفنون، وفي المادية الجديدة وكذلك الجغرافيا البشرية. إن النظر في قراءتين عن اللا- التمثيليةnonrepresentationalism  سيضيف وزناً إضافياً للبيانات التي تم الإدلاء بها هنا حول جماليات الأنواع المتعددة اللا- تمثيلية. أولًا، “التمثيل” أو الصورة هي في جوهرها شكل من أشكال الحكم، أ سواء للذات أم الفنان المراقب. يرتبط الحكم ارتباطًا وثيقاً بأشكال العنف اتجاه الحيوانات وتسلسل السلطة. تتميز فصول السلالات في المعارض الزراعية بأنها تنافسية للغاية وتستند كلياً إلى الأحكام الجمالية والعروض المدربة. إن الممارسات المتطرفة لإعداد العرض بما في ذلك الإستمالة الشديدة والتدريب والأدوات المؤلمة واستعمال تقنيات قوية متواطئةٌ في نظام الحكم هذا. وبالمثل، يرتبط الحيوان “الكامل” ارتباطًا وثيقاً بالتسلسل الهرمي للثروة والسلطة.

تقترح ريباكا كاسيدي (Cassidy, 2007) أن عروض الإستهلاك الواضح، مثل السباقات الأصيلة، هي رموز قوية للمكانة. غالباً ما يمارس مربي الخيول الأصيلة التكاثر عن طريق الاستنزاف. يعد فن الخيول مثالاً جيداً على كيفية حكم المراقب على جمال حيوان، والذي تم إنشاؤه على هذا النحو ليصبح رمزاً للمكانة. من الناحية التاريخية، تُظهر لوحات جورج ستابس (1724-1806) صورة الحصان كرمزٍ للمكانة في مجتمع هرمي. حتى اليوم، غالبًا ما يتم تصوير الحصان على أنه موضوع للجمال. ومع ذلك، فإن الحصان المنغولي، وهو سلالة مشتركة تتكيف مع مشهد بيئي اجتماعي محدد لا يمكن اعتباره جميلاً بنفس الطريقة التي يتم بها اعتبار الخيول الأصيلة أو العربية من قبل الفنانين والمختصين وحكام السلالات. لذلك، يمكن القول بوضوح: أنه نظراً لسابقة طويلة الأمد للرؤية المتمركزة بشريا كحكم، فإن التمثيلات المرئية المباشرة للأنواع تنسب عموماً إلى شكل من أشكال الحكم على الأنواع بناءً على مفاهيم مسبقة عن الجمال والقيمة. ترتبط أعمال الرسم أيضاً ارتباطًا وثيقاً بعمليات الحكم الموجهة للفنانين المراقبين؛ لذا فإن الفنان الماهر، القادر على تقديم عرض دقيق للشيء المرصود، هو موضع ترحيب، ومرة أخرى، يربط العمل الفني بتسلسلات هرمية بشرية مركزية للقيمة والفئة. يطرح العمل الفني متعدد الأنواع السؤال التالي: “ما هذا؟” “هل هو فن؟”؛ والأهم من ذلك، “كيف يجب أن نواجه هذا؟” بهذه الطرق، يبدأ العمل الفني متعدد الأنواع عن طريق إزعاج أنظمة القيمة والتقييم البشرية.

في مجال الجغرافية البشرية، تتكشف مناقشة ذات صلة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يُنظر إلى مفهوم التمثيلية هنا على أنه “نتيجة ثابتة”. عند تطبيقه على المنهجيات الإثنوغرافية، كان هناك اتجاه متزايد نحو أساليب البحث الأدائية والمفتوحة وعرض “النتائج”. فيما يتعلق بالمناقشة القائمة على الفنون، كتب هايدن لوريمر أن مشاهد الصوت وطرق الرقص تستخدم في سن هذه النظرية. تأتي هذه المفاهيم بشكل عرضي عبر المحادثات التخصصية، ولها حلقة مألوفة لتلك الخاصة بجماليات الأنواع المتعددة، والتي لا تهدف إلى إنتاج “شيء” نهائي وتمثيلي، بل تهدف إلى إشراك لحظات بين الأنواع والأسئلة والصراع من أجل الفهم.

تقدم ماريا فرناندا كاردوسو في عملها (اللحظات الأكثر حميمة لحشرة العصا Stick Insects Most Intimate Moments) الذي نفذته بين العامين 2008-2011 شرحا مباشرا لما أطلق عليه العلماء “الإسراف التناسلي genitalic extravagance” بين اللافقاريات. يعتمد عملها الذي عرضته في فيديو ومنحوتات على توثيق صبور وملاحظات دقيقة لعملية الجماع الطويلة والمدهشة لزوج من حشرات العصا الأسترالية. تم تسجيل الفيديو على مدار يومين في الإستوديو المنزلي للفنانين المشاركين، وهو يوثق أكثر العلاقات الحميمة والمنزلية بين العالمين البشري والحشرات. تستكشف أعمال الأعضاء التناسلية النحتية لماريا فرناندا كاردوسو مدرستين رئيسيتين للفكر فيما يتعلق بنظرية تطور الحشرات: الصراع الجنسي واختيار الإناث الخفي. العمل النحتي المعروض عن ذبابة الفاكهة مثال على الأخير. ذبابة الفاكهة، التي يمتلك ذكرها أطول حيوان منوي (نسبيًا) على هذا الكوكب، للتكيف مع تشريح الأنثى “الخفي”. يؤكد هذا المثال للعمل الفني المستند إلى الزمن على العمليات الناشئة للوجود والمعرفة، بدلاً من محاولة تمثيل منظور قديم على الأنواع غير البشرية. كفنانة، توظف ماريا فرناندا كاردوسو قدراتها على الملاحظة والصبر للحصول على التفاصيل لهذا المشروع (cardoso. 2011).

الذكر في حشرة العصا، أصغر بكثير من الأنثى، ويتمتع مع ذلك بجهاز استشعار أخضر متداخل. يستمر تزاوج الحشرات اللاصقة لأكثر من أربع عشرة ساعة، وفي اللحظات الأخيرة فقط يمكنك رؤية حيوان منوي وردي مستدير تماماً يخرج من تجويف جسده ويتم إدخاله في جسدها. تهدف كاردوسو إلى تحديد الإسراف في الأعضاء التناسلية وتصور المتحف كوسيلة للتحقيق والتواصل مع الغرابة في (مورفولوجيا الإنجاب الحيواني). تستلهم كاردوسو رؤية وليام ابرهارد التي تقول إن “الوظيفة البديهية للأعضاء التناسلية الذكرية هي نقل الأمشاج: بطريقة أو بأخرى يضع الذكر الحيوانات المنوية داخل الأنثى، حيث يمكنها بعد ذلك تخصيب بويضاتها. ولكن عندما ينظر المرء إلى التعقيد غير العادي للأعضاء التناسلية الذكرية لنوع مثل برغوث الدجاج… على سبيل المثال، يبدو هذا التفسير البسيط غير كافٍ.

في العديد من الأنواع، تعتبر الأعضاء التناسلية الذكرية من الناحية الهيكلية أكثر الأعضاء تعقيدًا في جسمه بالكامل؛ في بعضها تكون كبيرة بشكل لا يصدق، كما هو الحال في بعض الديدان الخيطية والذباب، التي تكون أعضائها المندمجة أطول من بقية الجسم. إنه لأمر رائع للغاية أن نصدق أن مثل هذه الآلية المعقدة ضرورية فقط لأداء وظيفة بسيطة ميكانيكياً”. تركز الفنانة على مشروعها (متحف الأعضاء التناسلية)، الذي عُرض في بينالي سيدني 2012، وعلى أطروحة الدكتوراه التي رافقته بعنوان (جماليات التشكل الإنجابي) (cardoso. 2014).

وبالانتقال إلى جماليات الأنواع المتعددة على وفق رؤية كارين باراد، ومن خلال الإنخراط مع السوابق النسوية والعدالة في تفكير باراد، يظهر الإبتعاد عن المفاهيم التي تتمحور حول كانط والإنسان مثل العبقرية والتسامي، وبشكل جوهري الابتعاد عن التمثيلية. بالنظر إلى مفاهيم باراد حول انطوابستموطيقا (مركب الانطولوجيا والابستمولوجيا والايطيقا) والأساس الأدائي للواقعية التفاعلية، فإن الأنماط التقليدية للتمثيل والإدراك، مثل الرسم والنحت، تفسح المجال للوسائط الجديدة، والفن القائم على الزمن والإنشاءات، وربما الفن العلائقي بين الأنواع inter-species relational  (وفقا لنيكولاس بوريو). لا تكتب باراد إلا بشكل عرضي عن الجماليات، تقول:” اعترف التمثيل بنواقصه عبر التاريخ: غير قادر على نقل حتى أخفت ظل للانهائي، فقد استسلم لعدم الكفاءة في التعامل مع المتجاوز، ولعن محدوديتنا. ولكن إذا استمعنا باهتمام، فيمكننا سماع الهمسات اللانهائية الجوهرية حتى في أصغر التفاصيل” (Barad, Karen, 2012 b).

في الإنتاج الفني، فإن التعاون مع أنواع حية أخرى هو بالتأكيد اعتراف بعدم كفاية تمثيل كيان أدائي “ناشئ مع”. هذا له أهمية كبيرة؛ لأن افتراض أن فناناً بشرياً يمكنه إلتقاط صورة لنوع آخر، يوحي بأن لدينا مقياساً لها، وحكما على قيمتها.

تتحدى كاثي هاي في عملها (السيد ثعلب Mr Fox،2012) هذا التصور. يسمح العيش في منطقة ريفية للمرء بمشاهدة قتل الطريق الموسمي. كحيوان غريب تم نقلة إلى أستراليا، يُصنف الثعلب على أنه “آفة” لا سبيل للقضاء عليه. ربما في “تحديقة الموت” لهذا الكائن، نستعيد نظرة الثعلب؛ تتحدى هذه الصورة المروعة أيضاً مفهوم الجمال بوصفهِ مثالاً مثالياً للفن.

أكد جاكوب فون أوكسكول، الذي لقيت نظرياته مؤخراً اهتماماً متزايداً، على كيفية عيش كل نوع في بيئة معينة تتميز عن إدراك أي نوع آخر. ولكن إذا تداخلت بيئات الحيوانات مع بيئات البشر فهناك لقاء شعري يولد تجارب جمالية جديدة، وفي أفضل الأحوال، علاقات أخلاقية. من المؤكد أن الفنانين الذين يتفاعلون مع الحيوانات أيضاً يظلون عالقين في بيئتهم. ويتوقعون من دون وعي من الحيوانات التي تشارك بشكل لا إرادي استيعاباً لفهم الإنسان للفن.

ومع ذلك، في الفن بين الأنواع، تفقد الحيوانات وضعها التقليدي بكونها مجرد أشياء قابلة للاستهلاك. حتى لو ظل عدم توازن القوة بين البشر والحيوانات كما هو، فإن الحيوانات غير البشرية في الفن ليست بالضرورة غير قادرة على التصرف، وغالباً ما تتجلى فعاليتها في أعمال مقاومة أو تدمير. وكلاهما يمكن أن يكون له جوانب إبداعية أو منتجة.

في بعض الأحيان، لا تتيح فاعلية الحيوانات العمل الفني فحسب، بل إنها قد تحد منه أيضا. إذا رفضت الحيوانات غير البشرية المشاركة، فلن يكون هناك عمل فني أو على الأقل سيكون العمل الفني مختلفا تماما. ومن ثم، فإن الإنخراط في الفن بين الأنواع يفتح إمكانيات لفن علائقي يمكن من خلاله التعرف على لقاء الأفراد من مختلف الأنواع والعلاقات المتبادلة بينهم قيمةً إنتاجيةً وإبداعية. قد تؤدي تجارب الفنانين مع الفن بين الأنواع إلى قبول متزايد للفاعلية الحيوانية في المجالات غير الفنية أيضا. كما قد تظهر الرؤية الجديدة للفاعلية والفاعلية الحيوانية بوصفها أداةً سياسية لمزيد من تقويض الاستثناء البشري الهرمي. إذا كان يُنظر إلى الحيوانات الأخرى على أنها كائنات مدفوعة بالفطرة، فإننا ننظر اليها الآن على أنها كائنات اجتماعية إبداعية يمكن التفاعل معها، وبالتالي فإن مثل هذا التحول الباراديمي يمكن أن يساهم في الإعتراف الأخلاقي بها وتحقيق العدالة لكل الأنواع على هذا الكوكب.

من ناحية، فإن الفنانين المشاركين في الفن بين الأنواع يستغلون الحيوانات المعنية، ولكن من ناحية أخرى، يدركون أن القدرات المعرفية والتواصلية والإبداعية للأخيرة لها بُعد جمالي يُوَلِد العالم؛ لذا فإن الإهتمام المتزايد بفن الحيوان وقبول أو افتراض الفاعلية الفنية الحيوانية قد تكون أداة لتحدي غطرسة التفوق البشري.

إن كونَ النحل والنمل الأبيض والنمل حشرات استعمارية ذات نظام اجتماعي قوي يقدم استعارة مناسبة للبنى الاجتماعية البشرية أمرٌ واضحٌ وقديم. ومع ذلك، فقد تطورت هذه الاستعارات مع زيادة المعرفة بإيكولوجيا الحشرات. على سبيل المثال، كان النحل (ولا يزال) رمزاً للحكومة الجيدة (الهرمية) مع عدد كبير من العمال المطيعين الذين تحكمهم ملكة. ما زلنا نستخدم المصطلحات (مشغول مثل نحلة) و(خلية صناعية) بوصفها عبارات إيجابية. ونظراً لأن دورة الإنجاب كانت، حتى وقت قريب، لغزاً، فقد كانت الكنيسة المسيحية تنظر إلى ملكة النحل على أنها مماثلة لمريم العذراء. حتى تم اكتشاف أنها تقوم برحلة زواج مطولة لمرة واحدة مع ما يصل إلى ثمانين ذكراً، مع الاحتفاظ بحيواناتهم المنوية طوال حياتها الإنتاجية الطويلة- النحلة ليست سيدة عفيفة على الإطلاق! والعمال الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان الخلية، دافعوا عن الولاء والطاعة والشجاعة ونكران الذات- ويبدو أن الكثير من سلوكهم يدعم هذه الاستعارات المستأنسة التي نعلقها عليهم– هم نماذج مثالية لرأس المال الصناعي في القرن التاسع عشر، الذي مثل الملكية يقوم على هرم سلطة استبدادي.

ومع ذلك، اقلب هذه الصورة الهرمية رأساً على عقب وفكر للحظة في السلوك الغامض للنحل في وضع الاحتشاد سرباً. نمت الخلية وانقسمت المستعمرة؛ سرب المجموعة المنتهية ولايته، معلقاً من فرع في مكان ما، متطلعاً إلى مكان جديد. يرسل السرب سلسلة من الكشافة، غالباً على مدى أيام، يقدمون التقارير، باستعمال أساليب مشابهة لرقصة النحل، لنقل المعلومات النوعية المعقدة. بطريقة ما يتم إشراك الجميع، يأخذ السرب في الاعتبار هذه المصفوفة المتنامية من البيانات المكانية، وفي النهاية يطير إلى الموقع الأكثر تفضيلاً لبدء مستعمرة جديدة. هذا ليس عمل عقل فردي، إنه نتاج عمليات متوازية، وشبكة عصبية طبيعية، إن أردت، تطورت على مدى مئة مليون سنة، خلية النحل بوصفها كائناً حياً خارقاً. لعل أكبر أخطائنا هو وهم التفرد، واعتبار أن مشاعرنا ووعينا منفصلان عن نوعنا البشري وعن نسيج الكوكب. إذا نظرنا إليها من منظور لاهوتي، فإن أنطولوجيا الكائن الفردي هي قضية شائكة، إذ يولد المرء ويبعث ويحاسب فرداً. وإذا نظرنا إليها في سياق النسيج المتدفق للأنواع، فإن الفرد بالكاد يستحق الذكر. على المدى الطويل، قد يخدمنا النموذج الجماعي للكائن الفائق (مثل خلية النحل) بوصفه نموذجاً أفضل من هوسنا بالوعي الفردي.

إنّ التحول التكافلي التدريجي لنحل العسل وإدراجه في المدار البشري يسبق تدجين الأنواع الأخرى بآلاف السنين. لقد غيرت تقنيات التربية والتربية الانتقائية الحجم والسلوك والإنتاجية، لكن الاهتمامات البحثية المعاصرة تستغل ميزات النحل الرئيسية الأخرى، مثل الكليات الحسية وقدرات الاتصال والملاحة، لإعادة تشكيل النحل في قالب المعلوماتية والروبوتات.

يتحدث نايجل هيلير عن عمله (يطفو كفراشة؛ يلسع كنحلة، 2013) يقول “كانت تجربتي الخاصة محادثة بطيئة وذاتية، كانت في البداية مليئة بالخوف الذي تآكل ببطء بسبب فضولي. كانت مخاوفي الأولية مركباً من الإحساس بالخطر عند فتح خلية واختبار الإنفجار الصوتي الشديد، ومقاربة جسم الخلية وعقل الخلية في العمل عن كثب، إلى جانب رهاب الأماكن الضيقة الذي سببته بدلة النحل. إن إرتداء بدلة النحل لا يختلف مع حشر جسدي في معدات الغوص، فالغطاء الشبكي والقناع الضاغط بإحكام يشتركان في رؤية النفق المقيدة نفسها. تستدعي الظروف الفيزيائية الإحساس نفسه بالانغماس، بالبيئة المحيطة، أ سواء كنت معلقاً في الماء أم محاطًا بدوامة من النحل العامل كسحابة، ذلك الكائن الحي الخارق مكانياً. في بدلة النحل البيضاء ذات القلنسوة، والأحذية ذات اللثة البيضاء والقفازات الثقيلة بطول الذراع- أرتدي ملابسي كعامل طوارئ في الصناعة النووية، وأقترب من نواة ذرية شريرة، والخلية تشع طاقة كثيفة، وذرات أبيان تهتز على قضبان وقود شمعية مضغوطة في وعاء الاحتواء”. “أدرك بشكل متزايد أننا لا نعيش في العالم نفسه، بل في أطياف مختلفة، ونعمل بترددات مختلفة مع ساعات مختلفة. بالمقارنة، غالباً ما أشعر بالبلاهة والتخلف عندما أرى هذه المخلوقات مدججة بهوائي، مع درع الرنين، مستجيبة للمجالات الكهرومغناطيسية؛ للجاذبية، لناقلات ضوء الشمس. للمغناطيسية، للمس، للأحاسيس الكيميائية والاهتزازية. مخلوقات قادرة على اتخاذ قرارات معقدة على نطاق واسع في المستعمرات تتركنا في حيرة من أمرنا. على الرغم من ذلك نتعاون ونتعاون، كل طرف يعمل وهو يجهل الآخر، على الرغم من أنه من الصعب أحياناً ألا نتخيل تواطؤاً، انتقالاً للفكر. (ويتابع) على سبيل المثال، في العمل النحتي الصغير (تطفو كفراشة؛ تلسع كنحلة) وضعت نموذجاً معمارياً صغيراً من (بوابة براندنبورغ في برلين) في الجزء العلوي من الخلية. ومن المفارقات أن تزامن ذلك مع توقف في إنتاج العسل ولم يقم النحل ببناء أي مشط، ومع ذلك قام ببناء عمود شمعي بدا لي أنه يشبه عمود النصر الذي يعلوه تمثال للآلهة نايكي الموجود في تيرغارتن بالقرب من بوابة براندنبورغ. من هنا بدأت الاستعارات تتكثف، أفكار فريتز هابر ونقيضه كارل فون فريش، المواد الكيميائية والنحل. النحل والحرب. النحل وسلاح الانتقام، والقنابل سيئة السمعة- توقيعها الصوتي ليس بعيداً عن هدير خلية غاضبة.” مثل سيريالي يعمل مع الشعر الآلي، أصبح النحل متعاون معي من دون وعي، يعمل خارج نطاق رغبتي ويدعو لتقديم صور مثل اختبارات رورشاخ تكتسب حتمًا معنى في نمط الدماغ البشري الجائع”. (Helyer, 2013)

بالثازار Balthazar هو مشروع بحثي فني طويل الأمد قام به ديفيد ويبر كريبس (مخرج)، وماكسيميليان هاس (مسرحية/ منظرة) يستكشف علاقتنا الثقافية مع الحيوانات باستعمال وسائل المسرح. يتكون المشروع من سلسلة من ثلاثة عروض أداء وكتاب. بالإشارة إلى التقسيم التقليدي لفنون الأداء بين المسرح والرقص والأوبرا، يركز كل عرض على وسيلة مسرحية محددة: السرد، والرقص، والصوت. ولكل منها تركيز مفاهيمي مختلف مستمد من أعمال الفلاسفة الثلاثة التي شكلت التفكير المعاصر بالحيوان بشكل بارز: جيل دولوز ودونا هارواي وجاك دريدا. أُنتجت ثلاثة عروض حتى الآن بالتعاون مع مدارس المسرح والرقص في بروكسل وهامبورغ وأمستردام، في عامي 2013 و2014. في مواجهة مباشرة مع الكائن الحي، اختبرت وانتقدت مفاهيم الفلاسفة الثلاثة عن الحيوان. جُمعت نتائج هذه الدراسة في مقالات نظرية ونشرت في صيغ مختلفة(BALTHAZAR).

العمل هو مواجهة بين حيوان واحد ومجموعة من الفنانين على خشبة المسرح. الحمار- بالثازار- هو بطل الرواية، مركز العمل. يؤكد العمل الشكوك التي يجلبها مثل هذا القرار. ومن ثم، فإن النهج يتعارض مع بارادايم السيرك، إذ يؤدي الحيوان الكمال في المهارات المهنية. يؤدي ذلك إلى العديد من القضايا العملية والأخلاقية، والتي لا تتوافق مع الممارسة المسرحية العادية المتمثلة في بروفة الاستوديو والأداء والتجول في المسارح كمساحات قابلة للتبديل.

لقد خططوا في الأصل لعرض بعض المشاهد المسرحية المكتوبة بدقة ومصممة بإحكام مع الحيوان. ومع ذلك، سرعان ما أدركوا أن أي عمل يشارك فيه المؤدون البشريون والحمار يجب أن يتطور من مواقفهم الخاصة. كانت هناك أسباب جمالية وعملية لذلك. كان من الواضح أنه في وجود العنصر غير المسرحي تماماً للحيوان، فإن أي أداء درامي من قبل البشر على خشبة المسرح سيبدو مبالغاً فيه، وهستيرياً، وبالتالي غير موثوق به. سيشعر المشاهد حينها أن أي إجراء مُعد ومحدد مفروض من الخارج من قبل المؤلف أو المخرج مفروض على المسرح أو عناصره. لهذا السبب، اختاروا الإجراءات التي أنتجت بعض الصفات والتي قدمت عناصر تصويرية محددة ودلالات مقصودة. ومع ذلك، عند وضعها في سياق التواصل مع الحيوان، أنتجت هذه المكونات مجموعة من النتائج المختلفة. في الواقع، تميزت كل بروفة وكل عرض تقديمي بتعبير آخر ومسار آخر للعمل. ثبت أنه من غير المجدي أداء مسرحية مؤلفة بالكامل مع الحمار- الذي ظل غير متوقع ومتقلباً طوال الوقت. لقد ابتكروا عدداً من المشاهد التي تمكنوا من خلالها التأثير على سلوك الحيوان بطريقة أو بأخرى، وبالتالي تنفيذ مفهومهم الجمالي.

ولكن كان هناك دائماً خطر- لأسباب متوقعة أو غير متوقعة- أن يكون الحمار قلقاً جدا أو متعبا أو مضطربا أو غير مهتم بـ “التصرف” بطريقة مناسبة لفناني الأداء على خشبة المسرح. لذلك رفضوا النهج السببي والتتابعي. قام الفنانون بتصنيف المواد التي جمعوها في البروفة ووضعوا قائمة بالأفعال التي يمكن أن تحدث للحيوان ومعه. تم إعداد هذه الإجراءات مسبقاً لتحدث في لحظات محددة من المسرحية، ولكن يمكن، من حيث المبدأ، تجربتها أو مقاطعتها أو تكرارها في أي لحظة، اعتماداً على احتمالات أو احتياجات الموقف على المسرح. يرى هذا العمل أن المسرح لا يظهر إلا في اللحظات التي تلبي فيها مجموعة من الظروف والأحداث على خشبة المسرح التوقعات المسرحية للجمهور؛ مما يؤدي إلى تأويل خيالي- أ سواء كان مقصوداً أم غير مقصود. الحمار هو بطل الرواية في (بالثازار)، مركزها المتحرك الذي تتجه نحوه جميع الأفعال. إنه سيد المسرح. لا شيء يمكن أن يحدث من دونه. إنه المركز الملبد بالغيوم للقطعة حيث تتلاقى كل خيوط السرد وتصبح متشابكة وتضيع. إنه عقبة لا يمكن التغلب عليها للعناصر المكونة لـ “خشبة المسرح” كنظام فني: النية، التماهي، التمثيل، التأطير، الخبرة المشتركة، مجتمع العقول، وما إلى ذلك. وبالتالي فإنه يشكك في ذلك النظام بأكمله. يُظهر وجود الحمار الجانب السفلي الفاحش من العمل. جميع الخطوط الإرشادية لأحداث المسرح موجهة نحو بطل الرواية الذي لم يختر هذا الدور والذي يتفوق في اللامبالاة في المقام الأول. لا فرق بين ما يحدث- عندما تبدأ المسرحية، ومتى تنتهي، وما إذا كان الأداء ناجحاً أم لا، وما إذا كانت رسالتها الفنية مثيرة للاهتمام، أو ما هي مفاهيم الحركة التي يتم تناولها، أو ما إذا كان الجمهور يصفق- الحمار في أقصى درجات اللامبالاة.

في عصر الهشاشة البيئية، عندما يكون تغير المناخ تهديداً حقيقياً لأنواع متعددة، فإن الغطرسة البشرية الجماعية غير مفيدة. لا بدّ أن الوقت قد حان للتخلي عن الكبرياء الزائف وإعادة النظر في وجهات النظر التقليدية للعالم. إذا تم الإطاحة بالسلطة البشرية واستبدالها بالمساواة الوجودية والفاعليات المتعددة، فأين يمكن أن يتناسب الفن البيئي مع هذا النموذج الجديد؟ ربما تحت مظلة (جماليات الرعاية) التي قد تساعد في إبطاء فعل انقراض الأنواع غير البشرية والبشرية.

السؤال ليس ما إذا كان الانقراض وشيكاً ولكن، بدلاً من ذلك، كيف تتغير العلاقات بين البشر وغير البشر بسبب هذا التهديد، وكيف يمكننا إجراء المزيد من التغييرات نحو التعاطف العالمي. هل تتأثر السياسات الحيوانية/ النباتية والقائمين عليها بتهديدات الفناء؟

كيف يصنع الفنانون الفن ويكتب الكتاب عن الجماليات في ظل هذه الظروف الأنطولوجية المتغيرة؟ في بعض النواحي، يعتبر الفن المنجز بوصفه جماليات للرعاية التحذيرية امتداداً لمصطلح memento mori بمعنى تذكر موتك، تذكر أنك ستموت، وهو مصطلح تاريخي فني شائع في الرسم الأوروبي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والذي استعمل صوراً مثل شمعة نصف محترقة أو جمجمة بشرية، لتذكير المشاهدين بأن الحياة الفانية ستنتهي بالتأكيد. ومع ذلك، فإن جماليات الرعاية الجديدة تهدف إلى تجاوز وجهة النظر التي تتمحور حول الإنسان لتعترف بجميع الأنواع غير البشرية.

تحدث هذه النقطة من الرعاية الجمالية، إذ قد تلتقي الأنواع المتقاطعة cross-species وتصبح الفاعلية تشريعاً موسعاً. في الإنشاء البيئي لجانيت لورانس (الطريد Fugitive) (Laurence, 2013) إشارة إلى ذلك من خلال استعمالها المتزامن والمباشر للحيوانات المحنطة، ولقطات حية من حاويات الحياة البرية، وأجنة الحيوانات في جرار العينات والصور المأخوذة من الكاميرات المنصوبة في البرية. كما تقول لورانس، يعتمد عملها على “مكان للشفاء والأمل والتكاثر والعناية بحيواناتنا الأصلية”. تتطلب هذه الأزمة البيئية منا تحويل تركيزنا من منظور محوره الإنسان إلى نهج بيئي أوسع يعتني بكل الأنواع، وكيف يمكننا أن نعيش بطريقة أخلاقية ونجد مكاننا في هذا العالم. (الطريد) عبارة عن مجموعة من الأشياء البشرية/ غير البشرية وعناصر أو أفعال الحياة/ غير الحياة. إنه جزء من علم المتاحف، وجزء إيكولوجيا، وجزء يختفي كيميائياً. من خلال جمع هذه العناصر المتعددة معاً، فإنها تشارك في خطابات الفاعلية والوقائع خارج تجربة إنسانية فردية من خلال النظر في وجهة نظر الحيوانات، حتى في الموت. يلقي (الطريد) الضوء على مشاكل وجهات النظر البشرية، والسياسة البيئية، المفاهيمي (والحقيقي) وأنظمة أرشفة الطبيعة في الفن. جماليات العناية بالفن البيئي An eco-art aesthetics of care، المحققة في (الطريد)، قد ترفض الحكم الجمالي، لصالح عودة ظهور الحياة، من خلال الفن.

يتحدى عمل لورنس القيم المهيمنة، ويعطل التسلسل الهرمي للمعرفة من خلال تقديم أنواع مختلفة، ووسائط مختلفة ومنهجية مختلفة ككل موحد. ليس علماً مباشراً ولا علم متاحف مباشر. إنه تفسير فني لكليهما. إنها تسمح للعديد من العناصر المتساوية بالعمل كوحدة واحدة، لكن التوق، في جوهره، هو الذي يخلق الجاذبية. تقول لورانس، “داخل مساحة المعرض، أريد أن أجعلنا على اتصال بعالم الحياة. مع التركيز على الحيوانات وفقدانها، أفكر في الشعور بالوحدة لآخر نوع من الأنواع. كيف كان موته؟ أتساءل عن البيئة، العالم الفريد الذي يعيش فيه كل نوع”ibid)). يعمل )الطريد) كإعادة أداء للكائن الأصلي، وتكرار واع ورقيق لهشاشة الحياة البدائية، من خلال تخليد ذكرى اللا حياة. إنه شكل من أشكال علم النفس الجيوفيزيائي من حيث أنه يستكشف آثار المكان الجغرافي على الفرد ويمد تلك الخصائص الفيزيائية إلى الإيكولوجيا الطيفية.

يعد استعمال الفنان للظلال والحجاب، التي تدور حول مناطق فرعية صغيرة ومغلقة من المعرض، بمثابة تذكير بالإدراكات الفينومينولوجية للمظاهر الوهمية أو الشبحية. وهو مثل تذكير ميت بحياة عاشها من قبل.

إذا كان عمل لورانس يعالج مشكلة القتال أو الهروب من الإيكولوجيا المعرضة للخطر، وهو حزن جماعي مرتبط بالدمار البيئي منذ نشأة الأنثروبوسين، والشوق لإعادة الاتصال بالأنواع المنقرضة واليوتوبيا الماضية، فإنها تجعلنا جميعاً مطاردين. من خلال لمستها اللطيفة، وترتيبها الحزين للأشياء، وإسقاطات لقطات الحياة البرية وصور الحيوانات، نتورط جميعاً في تدهور الأرض ونتوق للاختباء من الرعب الذي جنته أيدينا. بهذه الطريقة، تنضم إلى الفيلسوفة البلجيكية إيزابيل ستينجرز في رغبتها في منح العالم القوة لـ(فرض) تفكيرنا (Stengers, 2008:57).

وإذا كان من الخطأ اعتبار البشر والعالم منفصلين عن بعضهما البعض، فهذا يعني أنه من الخطأ خلق مسافة بين البشر وغير البشر أيضاً.

هذه هي الفلسفة في أفضل حالاتها، عندما تساعدنا على التغلب على عادات الإدراك والخبرة الكسولة، عندما تخرجنا من سلوكنا المستمر المتمركز حول الإنسان والثرثرة الأخلاقية المميتة. تخلق عناصر لورانس المتعددة، مثل اللقطات الوثائقية الحية، التي تكون أحياناً بصيغة سلبية، وصور فخ الكاميرا للحيوانات الليلية، جنباً إلى جنب مع شعارات الحياة الماضية مثل الطيور الموثقة في المتاحف، اندماجاً بين الحياة والموت. تقول: “الأشكال الخلوية المنتفخة التي تضم مجموعات مختلفة من الأشياء والعينات بما في ذلك العدسات الزجاجية للطب الشرعي، والصور في طبقات شفافة والأفلام من الكاميرات الخفية ومن أبحاثي في ​​محميات الحياة البرية. يتم تغيير وإبطاء إسقاطات الأفلام هذه، جنباً إلى جنب مع الإضاءة والظلال. أريد أن أجعلنا في علاقة حميمة مع هذه الحيوانات وأن أظهر ترابطنا” (Laurence, 2013).

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن عند التفكير في (الطريد) هو: إذا كان يجب علينا محاولة الهروب من المركزية البشرية الذاتية، فكيف يمكننا التعامل مع الجماليات على الإطلاق؟ تميل الجماليات، التي نشأت من العالم المادي، إلى أن تكون نظاماً يهتم به الإنسان، ويعتمد على الإدراك لتقديم حكم معياري أو نقدي على شيء معين. ومع ذلك، فإن الفن مثل فن لورنس لديه القدرة على استجواب فرضية استحالة الجماليات غير البشرية. إنها تفعل ذلك من خلال تحول دقيق بعيداً عن حدود ما نعرفه (عذاب الانقراض المحدود)، ومن خلال التلميح إلى ما لا يمكننا فهمه أبداً. تعمل طيورها النافقة وجماجمها وبوم التحنيط كتذكير مهووس ومطهر بالتناهي وما بعده. هذه ليست مجرد نهايات مميتة، ولكنها أيضاً قدرة البشر المحدودة على فهم العالم.

وبصفتها فنانة معنية بالبيئة، فإن واحداً من أهم أعمال لويز فاولر سميث يركز على تبجيل الأشجار، وهو موضوع انجذبت إليه ليس فقط من حيث الأهمية البيئية ولكن أيضاً لأهميتها العالمية والرمزية والدينية. امتد تحقيق لويز وأعمالها إلى قارتين، أستراليا والهند.

تركز لويز في معارضها على صور الأشجار التي تم العثور عليها في المنطقة القاحلة في أقصى غرب نيو ساوث ويلز، إذ أولت اهتماماً خاصاً بالأشجار والشجيرات مثل المولغا Mulga، بشكلها الذي يشبه المظلة ووجودها المنعزل. كانت الصور التي التقطتها دائماً لأشجار منعزلة وحيدة، والتي من خلال التلاعب بها ووضعها، تمكنت من إضفاء صدى شعري. تشبه عمليتها تلك التي يقوم بها الرسام، إذ تقوم بتلميع الضوء على الأشجار المختارة خصيصاً، والتي ربما تم تجاهلها واهمالها؛ كما تركز على صفاتها الفردية أو شخصيتها. تقوم هذه العملية بسحب الشجرة من محيطها مجازا؛ مما يجعلها خاصة ومتفردة وحتى مقدسة.

يركز عملها (عمود-ليلي Night-Pillar،2009) على مفاهيم الإدراك، وتعتقد بن الطريقة التي ندرك بها الأرض تؤثر على كيفية تعاملنا معها والعيش فيها في النهاية. إنها تؤمن أنه من غير المرجح أن نحترم الأرض ونقدرها إذا رأيناها منفصلة عنا. يظل هذا التصور وثيق الصلة بغض النظر عن كيفية إدارة الأرض أيديولوجيًا عبر الانقسامات الثقافية وربما السياسية.

على مدى السنوات الماضية، سافرت لويز أيضاً عبر الهند لتصوير كيفية تزيين الأشجار عملًا من أعمال التبجيل أو العبادة وأجرت مقابلات مع أشخاص في هذا المجال. لقد انجذبت إلى الشجرة الموقرة في الهند ليس فقط لجمالها الساحر، ولكن لقدرتها على حماية الأشجار من الحطابين. نتيجة لهذا البحث، قامت لويز بتجميع كتاب يقدم سجلاً مرئياً، إلى جانب البيانات، حول كيفية تزيين الشجرة عبر الهند المعاصرة، وكيف أن هذه الممارسة لديها القدرة على حماية الشجرة.

لويز هي مديرة معهد أبحاث الأرض الدولي (ILIRI)، الذي يهدف إلى الترويج لطرق جديدة لإدراك الأرض في القرن الحادي والعشرين. أسست مختبر ILIRI الإبداعي- مساحة كبيرة من الأرض في فاولز غاب حيث يمكن للفنانين والمهندسين المعماريين والعلماء- الأشخاص المهتمين بالبيئة- التعاون في مشاريع تستكشف طرائقاً جديدة للإدراك والتفاعل والعيش في أرض قاحلة.

تقول لويز:“ في عملي الفني، لا بد أن أكون وحدي، في الصحراء، وأمشي فقط. بالنسبة لي، [الأشجار] تكتسب شخصية. ليست أشخاصا بمعنى الكلمة ولكن كائنات لها شخصية. تبدو لي الشجرة شخصاً؛ لذلك أنظر إليها، وأشعر بنوع من الاتصال. في بعض الأحيان لا تكون أجمل الأشجار، ثم أفكر “هذه شجرة جميلة لا تحتاج إلى تبجيلها. هذه تم نسيانها، يا لها من شيء صغير مسكين” وهكذا في بعض الحالات ستكتسب الشجرة أو الشجيرة شخصية. في الطريقة التي أستعمل بها الضوء، أحاول التركيز على تلك الصفات التي أراها. في إحدى الحالات، كان لدي صورة بدت وكأن الشجرة ترقص. قال الناس “أرينا تلك الشجرة في الحياة”، وقد أريتهم وأجابوا، “لكنها لا ترقص”. ومع ذلك، عندما رأيت تلك الشجرة، بدت لي وكأنها كانت ترقص. رسمت هذا الجانب من الشجرة بالضوء. هذه العملية تدور حول خبرة فردية. أقوم بتدريس مقرر في فاولر غاب. يطلب الطلاب أحيانا مرافقتي في رحلاتي. على مضض، أوافق، لكن لا يمكنني التركيز إذا كان هناك أشخاص آخرون من حولنا. يجب أن أكون وحدي مع الشجرة”(SMITH, 2010).

في فيديو بعنوان (النظام العالمي الجديد New World Order) (Fowler. 2013)، يصور هايدن فاولر غابة كثيفة من الأشجار السوداء والشاحبة تسكنها “إيكولوجيا” من الطيور الغريبة. تشبه هذه البيئة الغريبة شيئاً ما بين مشهد من قصة خيالية ورؤية لمستقبل ما بعد الأخروية. تحيي هذا العالم الغريب مجموعة من الدجاجات النادرة ذات السلالات التراثية، والتي تختلف تماماً عن سلالات الطيور المنزلية والتجارية الشائعة التي نعرفها أكثر. فهي تتنقل عالياً على فرع، أو تخدش الأرض القاحلة أو تنزلق تحت جذور الشجرة إلى جحور تحت الأرض. على فترات منتظمة، ينادي الطائر، ويصدر أصواتاً تتخلل صمت الغابة المظلمة. يبدو الدجاج كما لو أنه في منزله في ذلك المكان غير العادي.

يشرح هايدن عمله قائلا:” كان العنصر الرئيسي هو الغابة. لقد كنت أعمل مع فكرة الغابة منذ بضع سنوات. أول شيء بدأت به هو إنشاء الغابة، وكنت مهتماً بشكل خاص بشيء ما بعد نهاية العالم أو شيء يوحي بـ “فقد الحياة”: فكرة حدث ما بعد أُخروي، أو حريق وخراب. أردت بعد ذلك ملء الغابة باقتراح “حياة جديدة” تحمل فكرة عودة الطبيعة وإعادة النمو في هذا الفضاء المتضرر. كانت هذه هي الفكرة التي كنت أعمل معها. […] مرت عملية تفكيري بعدة مراحل. في الأصل كنت أفكر في استعمال الغزلان. ثم جئت إلى نيوزيلندا، الغابات في نيوزيلندا كانت مأهولة بالكامل بالطيور قبل وصول البشر؛ كانت نظاماً بيئياً كاملاً للطيور. بعض الأشجار الحية في نيوزيلندا أقدم من تاريخ وصول شعب الماوري؛ لذلك هناك صلة بالطبيعة ما قبل البشرية، وهي بدائية تماماً. بعد سنوات، اختفت معظم الغابات واختفى نصف أنواع الطيور أو تضاءل بشكل كبير. أعتقد أن لدي القليل من فتشية الطيور بسبب هذه التواريخ. تخيلت “عالم طيور”، وفي النهاية تولت الطيور عملية الإنتاج الفني. ثم أصبحت مهتماً باستعمال طيور البانتام الفنتازية. كنت أنظر إلى هذه الدواجن على مدى بضعة أشهر، وأبحث عن تلك التي كانت… الخيار الأول يتعلق بالجماليات والشخصية. بمجرد أن بدأت العمل مع طيور البانتام في الغابة، كنت أبحث عن أفراد يتمتعون بسلوكيات غريبة. كنت مهتماً حقاً بتمثيل كل واحد لنوع جديد للتطور التخميني؛ لذلك اكتسب مكان الغابة صفات مستقلة وأصبح مكاناً يفتقر إليه العالم الآن: مكان يمكن للشخص أن يخرج فيه إلى البرية ويرى شيئاً لم يلمسه أحد، أو على الأقل لم تلمسه أيدي البشر. كان هذا هو الشعور الذي كنت أحاول خلقه؛ لذلك آمل أن يكون هناك شعور بالاكتشاف لدى الأشخاص الذين يشاهدون الفيديو؛ شيء لم يره أحد من قبل”(Boyd et al., 2015).

يبدو أن عمل (النظام العالمي الجديد) موجود خارج الزمن، إذ يتضمن العناصر من الماضي والمستقبل. يقدم الفيديو سلسلة من المقالات القصيرة المنزلقة، ويستند إلى صور تاريخية ومعاصرة للطبيعة، من لوحات المناظر الطبيعية وصور المتحف إلى الأفلام الوثائقية للحياة البرية. الموضوع الأساسي في عدد من أعمال فاولر هو العلاقة بين الحقيقي والخيالي. يواصل (النظام العالمي الجديد) هذا الاستكشاف من خلال تصوير سيناريو لا يوجد فيه تمييز واضح بين الطبيعة الأصيلة أو الاصطناعية. مع تقدم الفيديو، نبدأ في الاستعلام عما نراه- هل هي طيور حقيقية؟ ما تلك الضوضاء التي يصدرونها؟ أين الغابة؟ لكن في هذا العالم المختلط، يبدو أن مثل هذه الأسئلة لم يعد لها أي معنى.

بالاعتماد على المناقشات المعاصرة حول التدمير البيئي والتعديل الجيني وعزل المجتمع الحضري المتزايد عن البيئة الطبيعية، يقدم (النظام العالمي الجديد) مكاناً يدمج النظرية العلمية مع الثقافة الشعبية. ومع ذلك، على الرغم من أن (النظام العالمي الجديد) قد يوحي بمستقبل بائس، إلا أن هناك أملاً؛ لأن الحياة تستمر حتى في هذا المكان القاحل. يقول هايدن: “كانت بعض الأشياء غير متوقعة. أثناء تصميم المجموعات، لدي فكرة عن كيفية تفاعل الحيوان. لقد درست سلوك الحيوان والسلوك التطوري. أنا مهتم جداً بمجالات البحث هذه؛ لذلك لدي فهم أساسي لدوافع الحيوان. لقد صممت الأشجار لمجموعة (النظام العالمي الجديد) بناءً على الطريقة التي تتسلق بها البانتام (نوع الدجاج) بشكل طبيعي. إذاً، هناك عنصر تصميم للسلوك في عملي. ومع ذلك، عندما أضع الحيوانات في المجموعة لأول مرة، هناك دائماً أشياء غير متوقعة تحدث. في هذه المرحلة، يوجد نوع من التوجيه والتحكم في الموقف، لكن الكثير من العملية تتضمن إعداد العمل الفني بحيث يتم احتواء الحيوانات والعمل في الفضاء. تتمتع بعض الحيوانات بشخصية معينة أو إجراء معين يستمرون في القيام به طوال الوقت ويكون فردياً حقاً، وأعتقد أن هذا رائع، بعضها يعمل، والبعض الآخر لا يعمل أي شيء، أو لا يبدو جيداً، أنا حقاً أقدر الحيوانات كأفراد عندما أقضي بعض الوقت معهم جزءاً من هذه العملية الفنية”(ibid).

نتائج الدراسة:

تخلص هذه الدراسة في إطارها النظري وتطبيقها الفني إلى جملة استنتاجات، أهمها:

  1. يسمح تعريف الفن من منظور المادية الجديدة وجماليات الأنواع المتعددة بتقديمه الإيجابي، الأمر الذي يعد غريباً على التفكير التمثيلي. فالتمثيل هو مفهوم وممارسة تشير إلى غياب أو فجوة. شيء ما تم تمثيله ليس هنا وليس الآن؛ ولأنه بشير إلى الغياب، فإن لتمثيل مفهوم سلبي بامتياز. على العكس من ذلك، فإن التصور الإيجابي أو الإنتاجي للفن يظل متسقاً تماماً مع الروح المادية الجديدة. يجب أن يُفهم الفن، بهذا المعنى، على أنه تحول داخلي، حيث يتيح لنا فحص “التآثر التبادلي”، من وجهة نظر كارين باراد، فهم كيفية ظهور الذات والكائن في عملية التشابك “الخطابي- المادي” المعقد.، وكيف تبقى الحدود المرنة والمؤقتة والمسامية لهذه الكيانات والعمليات. وفقاً لذلك، تتوقف حدود الكائن وموضوع المعرفة على علاقاتهما، التي لم يتم تحديدها بشكل كامل أبداً، ودائماً ما تتحرك، ودائما ما تتحول؛ لتعرض الصيرورة في أبهى صورها.
  2. يتوافق تصور الفن بوصفه عملية “سيميائية- مادية” أو “مادية- خطابية” تنتج تأثيرات معينة بدلاً من كونها ممارسة تمثيلية بحتة، مع نقد المادية الجديدة للمبالغة الغربية في تقدير مبدأ الرؤية والنموذج العلمي لتوليد المعرفة المرتبطة بها. الرؤية، وهي مصدر متميز لإنتاج المعرفة في شكل تمثيلات للواقع، تعمل من مسافة بعيدة، مما يجعل الحكم “الموضوعي” ممكناً. يسمح هذا بتنظيم محدد للغاية لعلاقات السلطة بين ذات المعرفة وكائنها. إن المصطلحات “ذات” و”كائن” حاسمة لفهم منطق البيئة العلمية الغربية لما بعد التنوير، والتي تبلورت في النظرية الكانطية للمعرفة؛ مما أدى إلى تقسيم واضح إلى ذات نشط وكائن سلبي للإدراك أو التحقيق العلمي. مهد هذا التعريف الطريق لثقافة تتمحور حول الإنسان على أساس التفكير الثنائي. تنتمي الفاعلية، في مثل هذا النظام، حصرياً إلى الإنسان الذي يمارس سلطته على العالم السلبي والخامل للأشياء (الطبيعة أو المادة).
  3. على الرغم من التشكيك في حيادية التفكير التمثيلي المدرج في نظام الموضوعية العلمية (أو الوضعية المنطقية)، تظل البنائية الاجتماعية إشكالية بنفس القدر فيما يتعلق بمفهوم المادة. على الرغم من أن تنظيم علاقة الواقع والتمثيل في هذا النموذج انقلب رأساً على عقب، لا يزال هذا الفكر محاطًا بمنطق متمركز حول الإنسان، ينسب الفاعلية التي هي بشرية بالضرورة إلى نظام التمثيل الذي تستخدم فيه كل المواد كوسيلة فقط. وبتعريف المادة بوصفها كائناً سلبياً للنقش الخطابي، فإن المادة نفسها لا تهم. وبحرمان المادة من الفاعلية والسلطة، فإنها تعمل بصفتها من الأشياء التي تنتظر تفعيلها من خلال نظام التمثيلات الأيديولوجية، ولا توجد أبداً خارج الخطاب المفهوم أدائياً.
  4. تختلف “الواقعية الفاعلة” عن كل من النزعة التمثيلية والبنائية الاجتماعية، وهي تفترض نشاطًا وفاعلية للمادة. المادة والمعنى هنا يشتركان في تكوين بعضهما البعض في عملية الربط الديناميكية للصيرورة. لا يمكن النظر إلى المادة بوصفها كائنا سلبيا تُشتق منه التمثيلات (كما هو الحال في التمثيلية) ولا كائناً سلبياً للنقش الثقافي (كما هو الحال في البنائية الاجتماعية). بدلاً من ذلك، فهي متورطة في جميع عمليات صنع المعنى وإنتاج المعرفة، ليس فقط كوسيط ولكن كعامل وممثل نشط. تفترض باراد دراسة متأنية ومفصلة لـ “ممارسات المعرفة في الكينونة”، بحيث تظهر إدعاءات المعرفة كعملية “تآثر تبادلي” تحددها الظروف المتغيرة والعلائقية لكل من الطابع المادي والسيميائي.
  5. بإعتماد مثل هذا المنظور، المستوحى من الفكر المادي الجديد، نظر البحث في حالات محددة من الإنتاج الفني كأمثلة على التأثر التبادلي بين التجمعات البشرية غير البشرية. والهدف هو الإشارة إلى أن الأعمال الفنية فد تكون بشرية أو غير بشرية أو نتاج تعاون بينهما في توضيح جميل لكيفية عمل الفاعلية التي تتحرك من خلال مختلف الجهات الفاعلة المشاركة في العملية الفنية.
  6. يَتميز الفن متعدد الأنواع الصاعد في أنه يشمل جميع الأنواع، البشرية، والحيوانية، والفطرية، والفيروسية، والنباتية، والميكروبات، والأعشاب الضارة، والآفات، وما إلى ذلك. عند أخذ المصطلح من نقطة البداية هذه، فإن مصطلح الأنواع المتعددة يحفز منظوراً غير ثنائي، وغير إنساني يتجاوز “الإنسان والحيوان”؛ ليشمل نطاق الحياة على اتساعه، بل وحتى اللا-حياة حيث توجد الفيروسات واللينقولات. ومن ثم، يقدم المعرض وجهة نظر خاصة يمكن أن تكون حيودية من خلال مشاريع جمالية غير بشرية آُخرى.
  7. تدفع المادية الجديدة النقاشات حول الجماليات خطوة إلى الأمام، إذ تقترح أن الصفات الجمالية، مثل الجميل والحديث والسامي والقبيح، لا توجد بوصفها صفات جوهرية، أو لنقل إن وجودها لا يسبق العلاقات الذاتية التي يتم اختبارها من خلالها.
  8. إنّ المعاني الأصلية لكلمة جماليات هي العلائقية والتواصلية والأدائية؛ وتعني العودة إلى هذه المعاني استجواب تسليع الرأسمالية للخبرة الجمالية. توازي الجماليات، مصطلحاً وعملية، تعريف باراد للفاعلية التي تصفها بأنها “تشريع علائقي” بدلاً من صفة يمتلكها أو يلاحظها المرء بشكل سلبي. وإذا ما قبلنا أطروحة باراد القائلة بأن الظواهر (بما في ذلك أنفسنا) يتم إنشاؤها بشكل عملاتي في إعادة تشكيل العالم المستمر لنفسه، فسيترتب على ذلك أن خبرتنا مع هذه الظواهر (بما في ذلك أنفسنا) هي أيضاً خبرات “تآثر تبادلي” ديناميكية. الجماليات، إذاً، حوارات أدائية تؤثر وتتأثر بشكل تبادلي؛ حوارات ديناميكية من الإدراكات الحسية والاستجابات.

مراجع الدراسة:

  1. Barad, K. (2012 a). On Touching—The Inhuman That Therefore I Am. Differences, 23 (3).
  2. Barad, K. (2012 b). what is the Measure of Nothingness? Infinity, Virtuality, Justice. DOCUMENTA (13). Erschienen im Hatje Cantz Verlag.
  3. Barad, K. (2007). Meeting the Universe Halfway: Quantum Physics and the Entanglement of Matter and Meaning. Durham: Duke University Press.
  4. Barad, K. (1998). Agential Realism: Feminist Interventions in Understanding Scientific Practices. In: M. Biagioli. The Science Studies Reader. New York: Routledge.
  5. Baker, S. (2013). Artist/Animal. Minneapolis: University of Minnesota Press.
  6. Braidotti, R. (2019). Posthuman knowledge. Medford: Polity Press.
  7. Bennett, J. (2011). Artistry and Agency in a World of Vibrant Matter edited by The New School and Vera List Center for Art and Politics: Youtube.
  8. Bennett, J. (2010). Vibrant Matter: A Political Ecology of Things. Durham, NC: Duke University Press.
  9. Broglio, R. (2011). Surface Encounters. Edited by Cary Wolfe, Posthumanities. Menneapolis: University of Minnesota Press.
  10. Cassidy, R. (2007). Horse People: Thoroughbred Culture in Lexington and Newmarket: The John Hopkins University Press.
  11. Coole, D. and Frost, S. (2010). Introducing the New Materialisms. In: New Materialisms. Ontology, Agency, and Politics. Durham, NC; London: Duke University Press.
  12. DeLanda, M. (2006). A New Philosophy of Society: Assemblage Theory and Social Complexity. London: Continuum.
  13. Dolphijn, R. and Tuin, I. (eds), 2012. New Materialism: Interviews and Cartographies. Ann Arbor, MI: Open Humanities Press.
  14. Goldman, Alvin I. (2013). A Moderate Approach to Embodied Cognitive Science. In: Joint Ventures: Mindreading, Mirroring, and Embodied Cognition, edited by Alivin Goldman, 360. USA: Oxford University Press.
  15. Harman, G. (2010). Towards Speculative Realism: Essays and Lectures. Winchester: Zero Books.
  16. Kirksey, S. E.& Helmereich, S. (2010). The Emergence of Multispecies Ethnography.” Cultural Anthropology no. 25 (4).
  17. Latour, B. (2004). Why Has Critique Run out of Steam? From Matters of Fact to Matters of Concern. Critical Inquiry 30: 225–248.
  18. Latour, B. [1991] 1993. We Have Never Been Modern. Translated by C. Porter. London: Prentice Hall.
  19. Lorimer, H. (2005). “Cultural geography: the busyness of being ‘more-than representational’.” Progress in Human Geography no. 29 (1).
  20. Boyd, M., Fowler H., Smith, L. F., & Gervay E. (2015). MULTISPECIES ART PRACTICE. ANTENNAE. ISSUE 31.
  21. Stengers, I. (2008). Experimenting with Refrains: Subjectivity and the Challenge of Escaping Modern Dualism. Subjectivity
  22. Wolfe, C. (2009). What Is Posthumanism? (Posthumanities). Minneapolis: University of Minnesota Press.


 

مواقع الفنانين وأعمالهم على الشبكة:

  1. ANTENNAE: Multispecies Intra-action
  2. https://www.academia.edu/11585264/Antennae_Issue_31_Multispecies_Intra_action
  3. http://unsworks.unsw.edu.au/fapi/datastream/unsworks:38527/bin00962db4-2e07-48b0-a59d-e5953080738e?view=true
  4. Boyd, Madeleine. (2014). The Wash: multiple partial perspectives of things Posted in UNCATEGORIZED.
  5. https://madeleineboyd.wordpress.com/2014/09/30/the-wash-multiple-partial-perspectives-of-things/
  6. Maria Fernanda cardoso. (2011). STICK INSECTS MOST INTIMATE MOMENTS.
  7. https://mariafernandacardoso.com/documentaries/animal-art/stick-insects-most-intimate-moments/
  8. Art & Sex: Maria Fernanda Cardoso. (2014).SCHOOL OF ART & DESIGN ANU College of Arts & Social Sciences.
  9. https://soad.cass.anu.edu.au/events/art-sex-maria-fernanda-cardoso
  10. FUNGAL TIME IN THE SATOYAMA FOREST, 2013.
  11. http://elainegan.com/satoyama.html &  http://elainegan.com/index.html
  12. Hayden Fowler. (2013). New World Order.
  13. https://www.mca.com.au/artists-works/works/2013.74/
  14. Intra-action: Multispecies becomings in the Anthropocene Art Exhibition for the Australian Animal Studies Group Conference 2013, University of Sydney
  15. https://www.mop.org.au/pdf/130711.pdf
  16. KAMPNAGEL.de. BALTHAZAR,
  17. https://www.kampnagel.de/en/program/balthazar-2-a-choreograhpy/
  18. Laurence, Janet. (2013). Fugitive.
  19. http://www.janetlaurence.com/fugitive/
  20. Laurence, Janet. (2013). artist statement. Animate/Inanimate, Tarrawarra Museum of Art.
  21. http://www.janetlaurence.com/wp-content/uploads/Fugitive-Artist-Statement.pdf
  22. LOUISE FOWLER-SMITH. (2010) NEW PERCEPTIONS: SACRED TREES 2 Jun– 19 Jun.
  23. https://federation.edu.au/pogallery/past-exhibitions/2010/louise-fowler-smith
  24. Nigel, Helyer. (2013). FLOAT LIKE A BUTTERFLY; STING LIKE A BEE.
  25. http://www.sonicobjects.com/wp-content/uploads/2013/07/Float-like-a-Butterfly-Sting-like-a-bee_ANTENNAE-ISSUE-31.pdf
  26. TE+ND (Terrestrial Exploration + Nurture Designed) Rovers.
  27. http://www.tendrover.com/

([1]( معرض (التآثر التبادلي: صيرورات الأنواع المتعددة في الأنثروبوسين)، معرض فني لمجموعة مؤتمر دراسات الحيوان الأسترالية، 2013، جامعة سيدني. الكتيب الصادر عن المعرض بعنوان:

Intra-action: Multispecies becomings in the Anthropocene Art Exhibition for the Australian Animal Studies Group Conference 2013, University of Sydney

ويمكن تحميله من الرابط الاتي: https://www.mop.org.au/pdf/130711.pdf